معاشرَ المسلمين: إلى اللهِ نَشكُو ضعفَ صِلَتِنا بكتابِ ربِّنا، فنحن في النهارِ - إلا من رَحِمَ اللهُ - مستغرقون في العملِ أو غائبون نائمون تحت الفُرُش، ولربما أضاع بعضُنا الصلواتِ المكتوبةَ مع الجماعة، أو لم يُصلِّ الصلاةَ حتى فاتَ وقتُها .. وأنَّى لهذا الصِّنف من المسلمين أن يُسابِقَ في تلاوةِ القرآنِ أو ينافسَ على فعلِ الخيراتِ بشكلٍ عامّ؟
ونحنُ في الليل - إلا من رحِمَ اللهُ - نتجوّلُ هنا وهناك وكأننا نبحثُ عمّا نُزجي به الفراغَ، فإنْ صادَفْنا قومًا مجتمعين على القِيل والقالِ وإضاعةِ الأوقات دون فائدةٍ شارَكْنا معهم في الاجتماع، وأسوأُ من ذلك حين نُمضِي شطرًا من الليل في النظرِ للمسلسَلاتِ الهابطة، والاستماعِ للأصواتِ الماجنة .. وكأنَّ لسانَ حالِنا ومقامِنا يقول: حتى شهرُ رمضان لم يَردَعْنا عن اقترافِ الحرام، وما بنا هِمّةٌ لطُولِ القيام مع المصلِّين ولو كان ذلك في العَشرِ الأخيرِ من رمضان.
إنَّ هِممًا لا تتحرَّك للطاعةِ في شهرٍ تُضاعَفُ فيه الحسناتُ حَرِيّةٌ بالمحاسبةِ والمراجعةِ، وإن أقوامًا لا تُؤثِّر فيهم موعظةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حين قال:((مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذَنْبِه))، حريةٌ بأن تُراجِعَ رصيدَ إيمانِها، وتعالجَ مرضَ قلوبِها.
آهٍ على صحةٍ لا تُشكَرُ، وفراغٍ لا يُستثمَرُ، وقوةٍ لا تُوجَّه، وطاقةٍ تُهدَر، أين نحن من هِمَم السابقين، وقد نقل المِزِّيُّ في ((تهذيب الكمال)) أن سُويَد ابن غَفَلةَ كان يؤمُّ الناسَ في رمضان في القيامِ وقد بلغ مائةً وعشرين عامًا؟
ودونَكم هذا النموذجَ من أعلامِ التابعين وكيف كانوا يَحْيَون بالقرآن، رغمَ المتاعبِ والمصاعب، فهذا أبو العاليَةِ الرِّياحيُّ رُفَيْعُ بن مِهْران عَلَمٌ من أعلامِ التابعين، إمامٌ مقرئ، حافظٌ مفسِّر، أدركَ زمنَ النبوَّة وأسلمَ في خلافةِ أبي بكرٍ الصِّدّيق رضي الله عنه .. ولْنَدَعْ له الحديثَ ليرويَ لنا كيف أسلمَ، وكيف كان يتعاملُ مع