للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن- بعدما أسلمَ - يقول:

((وقعتُ أنا ونفرٌ من قومي أُسارَى في أيدي المجاهدين - يعني قبل أن يسلمَ وكان مشركًا من أهلِ فارسَ - ثم ما لَبِثْنا أن غَدَوْنا مملوكِين لطائفةٍ من المسلمين في البصرةِ، فلم يَمْضِ علينا وقتٌ طويلٌ حتى آمنَّا بالله وتعلَّقْنا بحفظِ كتابِ الله .. ) ثم يُفسِّر لنا هذا التابعيُّ الأسيرُ المسلمُ طبيعةَ هذا التعلُّقِ بكتابِ الله ويقول: ((وكان مِنّا مَن يؤدِّي الضرائبَ لمالِكِيه، ومنَّا من يقومُ على خدمتِهم - وكنتُ واحدًا من هؤلاء - فكنَّا نختمُ القرآنَ كلَّ ليلةٍ مرةً، فشقَّ ذلك علينا، فجعلنا نختمُه مرةً كل ليلتين، فشقَّ ذلك علينا، فجعلنا نختِمه كلَّ ثلاثٍ، فشقَّ ذلك علينا، لِما كُنَّا نُعانِيه من جُهدٍ في النهارِ وسهرٍ في الليل، فلَقِينا بعضُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وشَكَوْنا لهم ما نكابُده من السهرِ وقراءةِ كتابِ الله، مع قيامِنا بخِدْمةِ موالينا، فقالوا لنا: اختموه كلَّ جمعةٍ مرةً، فأخذْنا بما أرشَدُونا إليه، فجَعَلْنا نقرأُ القرآنَ طَرَفًا من الليلِ وننامُ طرفًا، فلم يَشُقَّ ذلك علينا)) (١).

إذا كان هذا حالَ المَوالِي مع القرآن، وفي غيرِ شهرِ رمضان - فكيف حالُهم أو حالُ غيرِهم في شهرِ القرآن؟

أيها المسلمون: إن اللهَ يرفعُ بهذا القرآنِ أقوامًا ويَضَعُ آخرين، ولقد كان أبو العاليةِ الرِّيَاحيُّ ممن رَفَعَهم اللهُ بالقرآن، فقد دخل يومًا على ابن عباسٍ رضي الله عنهما - وهو أميرٌ على البصرة - فرحَّبَ به ورفع منزلتَه وأجلسَه على سريرِه، وكان في المجلس طائفةٌ من سُدَّة قريشٍ، فتغامَزُوا وتهامسوا بينهم وقال بعضُهم لبعضٍ: أَرأيتُم كيف رفعَ ابنُ عباسٍ هذا العبدَ على سريرِه؟ فأدرك ابنُ عباس ذلك والْتفتَ إليهم قائلًا: إن العلمَ يزيدُ الشريفَ شرفًا، ويرفعُ قَدْرَ أهلِه عندَ الناس، ويُجلِسُ


(١) الطبقات لابن سعد ٧/ ١١٣، سير أعلام النبلاء ٤/ ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>