للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كانَ المسلمون في أزمانِ العِزَّة يعيشون هذا الأمنَ بالقرآن، روى ابنُ المبارَكِ ووكيعٌ في ((الزهد)) بإسنادٍ صحيح عن أبي الأحوصِ الجُشَميِّ قال: إنْ كان الرجلُ ليَطرُقُ الفُسْطاطَ طُروقًا - أي: يأتيه ليلًا -، فيسمعُ لأهلِه دويًّا كدَوِيِّ النحل - أي: بالقرآن - قال: فما بالُ هؤلاء يَأمَنُون، ما كان أولئك يخافون (١).

وهذا رسولُ الهُدى صلى الله عليه وسلم يَشهَدُ للأشعريِّين بتميُّزِ أصواتِهم في القرآن، ويشهدُ لهم بالتلاوة، ويَعرِفُ بها منازلَهم من غيرِهم إذ يقول: ((إني لأعرفُ أصواتَ رُفْقةِ الأشعريِّين بالليلِ حين يدخلون، وأعرفُ منازلَهم من أصواتِهم بالقرآنِ بالليل وإن كنتُ لم أرَ منازلَهم حين نزلوا بالنهار)) رواه البخاري ومسلم (٢).

فأين الذين يُحْيُونَ الليلَ بالقرآنِ في رمضانَ أو غيرِ رمضان؟ أينَ الذين يُعطِّرون بيوتَهم بآياتِ القرآن، وهذا أبو هريرةِ رضي الله عنه يقول: ((البيتُ الذي يُتلَى فيه كتابُ الله كَثُرَ خيرُه، وحضَرتْه الملائكةُ، وخرجتْ منه الشياطينُ، والبيتُ الذي لا يُتلَى فيه كتابُ الله ضاقَ بأهلِهِ، وقلَّ خيرُه، وحضرتْه الشياطينُ، وخرجت منه الملائكةُ)) (٣).

آهٍ على بيوتِ المسلمين حين تَعُجُّ بالأصواتِ المُنكَرة، والصُّوَرِ الفاضحةِ، وتَرى فيها كلَّ شيء إلا بالقرآنَ .. أو ترى القرآنَ ولكن لا ترى عليه أثرًا للقراءةِ وكأنَّ البَرَكةَ تكفي لوجودِه ولو اتُّخِذَ مهجورًا.

يا أُمةَ القرآنِ: كتابُ الله تتسعُ له الصدورُ، وهو لها نورٌ وشفاءٌ، فكم في


(١) الزهد لابن المبارك ٩٨، وكيع/ ٥٢.
(٢) البخاري ح (٤٢٣٢)، مسلم ح (٢٤٩٩).
(٣) المحمود: خطب جمعة، ص ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>