للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل أيها المسلمون، ودُعوني أنقُلْكم إلى واحدةٍ من معاركِ المسلمين في عصرِ الراشدين كان ميدانُها البحرَ ليس البرَّ .. لتروْا كيف قدّم المسلمون من شهداءَ حتى جاء النصرُ.

قال المؤرِّخون عن معركةِ (ذات الصَّواري): كانت معَ الرومِ النصارى، وحين الْتَقْوا مع المسلمين قال لهم المسلمون: إنْ شئتُم كانت المعركةُ في الساحل حتى يموتَ الأعجلُ مِنا ومنكم، وإن شئتم فالبحرَ، فنَخَرَ الرومُ نخرةً واحدةً وقالوا: الماءَ، فدنى منهم المسلمون وربَطُوا السُّفنَ بعضَها ببعض حتى كانوا يضربون بعضُهم بعضًا على سفنِ المسلمين والنصارى، ووَثَبَ الرجالُ على الرجال يضطربونَ بالسيوف، ويتواجَؤُون بالخناجرِ حتى رجعتِ الدماءُ إلى الساحل تضربُها الأمواجُ، وطرحتِ الأمواجُ جثثَ الرجال رُكامًا، ولقد قُتِل من المسلمين يومئذٍ بشرٌ كثير، وقُتِل من الكفارِ ما لا يُحصى، وصَبَروا يومئذٍ صبرًا لم يصبِروا مثلَه في موطنٍ قطُّ، حتى أنزلَ اللهُ نصرَه على أهلِ الإسلام وولَّى النصارى الأدبارَ منهزمين (١).

إنَّ ثمنَ النصرِ كبيرٌ، وإن سلعةَ الله غاليةٌ، وصدَقَ اللهُ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (٢).

ولا بدَّ من قراءةِ التاريخ لمعرفةِ أسبابِ النصرِ وعواملِ الهزيمةِ، وفي تاريخ الأُمةِ المسلمةِ وصراعِها مع الأعداءِ لم تُهزَمْ من قلةِ عددِها أو ضعفِ عُدَّتِها، بل يُثبِتُ التاريخُ أنهم حقَّقوا النصرَ - في أكثرَ من معركةٍ - وعددُهم قليلٌ، وعَتادُ


(١) تاريخ الطبري ٤/ ٢٩٠، ٢٩١.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>