غيرِهم أقوى من عتادِهم .. لكنهم دخلوا بالإيمانِ ساحةَ المعركةِ فخرجوا منتصرين، وحين يضعُفُ إيمانُهم أو تتفرَّقُ كلمتُهم تكون الغلبةُ لعدوِّهم، ودعونا نُطِلّ على أحوالِ المسلمين حين اجتاحَهُم الصليبيون - وما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ - لقد دبَّ الخلافُ والفُرْقةُ بين أمراءِ المسلمين، بل منهم من كاتبَ النصارى ودلَّهم على عوراتِ المسلمين، بل وصلَ الحالُ إلى أن قَتَلَ عساكرُ المسلمين بعضُهم بعضًا - فواتتِ الفرصةُ النصارى وأغارُوا على المسلمين واستولَوْا على مقدَّساتِهم، يقول ابنُ الأثير في حوادث سنة ٤٩٧ هـ:((لمَّا استطالَ - خَذَلَهُم اللهُ تعالى - بما مَلَكُوه من بلادِ الإسلام، واتَّفق لهم اشتغالُ عساكرِ الإسلام وملوكِه بقتالِ بعضهم بعضًا فتفرَّقت حينئذٍ بالمسلمين الآراءُ، واختلفتِ الأهواءُ، وتمزَّقتِ الأموالُ)).
بل ذكرَ ابنُ الأثيرِ أن بعضَ القِلاعِ حين امتنعتْ على النصارى راسَلَهم بعضُ سلاطينِ المسلمين وصالحهم عليها .. كما وقع ذلك في (مَعَرَّةِ النعمان) و (حمص) في (حوادث سنة ٤٩١).
أيها المسلمون: ولم تقفِ الخِلافاتُ - زمنَ الصليبيين - على الأمراءِ والسلاطينِ، بل شَمِلت العلماءَ الذين يُفترضُ فيهم جمعُ كلمةِ المسلمين، وإصلاحُ شأنهم.
قال ابن الأثير: وفي سنة (٤٤٧ هـ) وقعتِ الفتنةُ بين الفقهاءِ الشافعية والحنابلةِ ببغدادَ، وأنكر الحنابلةُ على الشافعيةِ الجهرَ ببسمِ الله الرحمن الرحيم، ومَنَعوا من التَّرجيعِ في الأذان، والقنوتِ في الفجر، ووصلوا إلى ديوانِ الخليفة، ولم تهدأ الأحوالُ، بل أتى الحنابلةُ إلى مسجدِ باب الشعير فنهَوْا إمامَه عن الجهرِ بالبسملة، فأخرجَ مُصحفًا وقال: أزِيلوها من المصحفِ حتى لا أتلوَها.
وقال ابنُ كثير في حوادث ٤٤٧ هـ: وفيها وقعتِ الفتنةُ بين الأشاعرةِ