للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا ... له فكل على الخيرات منكمش

أيامه مثل شهر الصوم طاهرة ... من المعاصي وفيها الجوع والعطش (١).

أيها المسلمون وهل يمكن أن يكون هذا الزهد والعفاف والتقى والدين وتلك العبادة والإنابة لرجل خلو من العلم أو بعيد عن العلماء؟ كلا. وإليكم شيئًا من حرصه على العلم وإكرامه للعلماء.

فقد نقل ابن الأثير عنه أنه كان عارفًا بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ليس عنده فيه تعصب، وسمع الحديث وأسمعه طلبًا للأجر .. وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ويعطيهم ويقوم إليهم، ويجلس معهم وينبسط ولا يرد لهم قولاً، ويكاتبهم بخط يده (٢).

وذكر ابن كثير أنه كانت له هيبة، ولذلك كان أكابر رجاله يقفون بين يديه، ولا يجلسون إلا بإذنه سوى نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين الأيوبي) ومع هذا كان إذا دخل أحد الفقهاء أو الفقراء قام له ومشى خطوات وأجلسه معه على سجادته في وقار وسكون، وإذا أعطى أحدًا منهم شيئًا مستكثرًا يقول: هؤلاء جند الله وبدعائهم ننصر على الأعداء، ولهم في بيت المال حق أضعاف ما نعطيهم، فإذا رضوا منا ببعض حقوقهم فلهم المنة علينا.

بل نقل ابن كثير لنا أكثر من هذا في سبيل إكرام هذا الملك العادل والمجاهد الصادق للعلماء، ومنعه العامة أن تنالهم بسوء أو أذى حتى ولو وقع ذلك من كبار الأمراء، وإليك هذه الحادثة فاعقلها، واعلم ما فيها من الحكمة والأدب، فقد نال بعض الأمراء مرة عنده من الفقهاء وهو قطب الدين النيسابوري- فقال له


(١) السابق ٢٠/ ٥٣٥.
(٢) الكامل لابن الأثير ١١/ ٤٠٤، ٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>