للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سابعًا: ولا بدَّ هنا - وحين يكون الحديثُ عن الولاءِ للمؤمنين والبراءةِ من الكافرين - من تصحيحِ مفهومٍ قد لا يتفطَّنُ له بعضُ المسلمين، وهم يظنُّون أن تحقيقَ الولاءِ والبراءِ قد يؤدِّي إلى نفورِ الكفَّار عن الإسلام؟ وليسَ الأمرُ كذلك، فإن اللهَ هو الذي شرعَ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ وأمرَ المسلمين بها - وهو العليمُ الخبيرُ .. بل إنَّ الالتزامَ بهذه الشعيرةِ - وسائرِ شعائرِ الإسلام - سببٌ في ظهورِ الإسلام وغلبةِ المسلمين، ولربما دخل غيرُ المسلمين - بسببه - في الإسلام، وفي ((سيرةِ ابنِ هشام)) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد قتلِ كعبِ بن الأشرفِ: ((مَنْ ظَفِرتُم به من رجالِ يهودَ فاقتُلُوه، فوَثَبَ مُحَيِّصةُ بنُ مسعودٍ على ابن سُنينةَ - رجلٍ من تُجارِ اليهود يُبايِعهُم - فقتله، وكان حُويِّصةُ بنُ مسعودٍ (أخوه) إذ ذاكَ لم يُسلِم، وكان أسنَّ من مُحيِّصةَ، فلما قتله جعلَ حويِّصةُ يضربُه ويقول: أيْ عدوَّ اللهِ أقتلتَه؟ أمَا واللهِ لرُبَّ شحمٍ في بطنِك من ماله! قال مُحيِّصةُ: واللهِ لقد أمرني بقتلِه مَن لو أمرني بقتلِكَ لضربتُ عُنقَكَ، قال: فواللهِ إن كان لأولَ إسلامِ حُويِّصةَ، قال: آللهِ لو أمركَ محمدٌ بقَتْلي لَقتلْتَني؟ قال: نعم، واللهِ لو أمرَني بضربِ عُنقِك لضربتُها، قال (حويِّصةُ): واللهِ إنَّ دينًا بلغَ بك هذا لَعَجَبٌ! فأسلَمَ حويصةُ (١).

بل يُثبِتُ الواقعُ أن المسلمين كانوا كلَّما ذلُّوا أمامَ أعدائِهم، زاد العدوُّ في ذِلَّتِهم، وكلما ارتمَى المسلمون في أحضانِ اليهودِ والنصارى - أو سواهم من مِلَلِ الكفر - صَغُروا في أعينِهم واستحوَذوا على خيراتِهم وزادوا في التدخُّلِ بشؤونهم {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} (٢).


(١) السيرة لابن هشام، الإصابة لابن حجر في ترجمة حويصة ٢/ ٣٠٤.
(٢) سورة الحج، الآية: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>