للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون: كم تَنزِلُ بنا نوازلُ الموتِ من قريبٍ أو بعيدٍ، أو عالِمٍ أو عاميٍّ، ومن ذكرٍ أو أنثى، صغيرٍ أو كبيرٍ .. فهل تُحرِّكُ قلوبَنا للطاعةِ والتوبة، وهل نتذكَّرُ بها مقامَ الصِّدِّيقين والشهداءِ، ومنازلَ الفجارِ ومصيرَ الأشقياء هل نعتبرُ بمن مات فيكونَ الدرسُ بليغًا، والعبرةُ مُوقِظةً، وهل نتذكرُ أن الجنائزَ المحمولةَ يومًا كانت حاملةً.

إن مشاهدَ القبورِ دروسٌ صامتة، وكم في القبورِ من وَحْشةٍ وأُنْس، ونعيمٍ أو عذاب، وإن عَفَى عليها الزمنُ، وتحوَّلتِ العظامُ إلى رميمٍ، واللحمُ الطريُّ إلى مخازنَ للدُّود؟

أجل إن الجنازةَ المحمولةَ موعِظةٌ للحامِلين، وذِكْرى للغافلين، وغدًا أو عن قريبٍ سيكونُ الحاملون للجنازةِ محمولِين.

ولكن السؤالَ المهمَّ: ماذا حَمَلتِ الجنازةُ إلى مَثْواها الأخيرِ؟

إنها لا تحملُ من الدنيا شيئًا ولو كان صاحبُها يملكُ القناطيرَ المقنطرةَ من الذهب والفضةِ والنقودِ والعَقَار والأنعامِ والحَرْثِ، ولا تحملُ من البأسِ شيئًا ولو كان صاحبُها - من قبلُ - من أشجعِ الناسِ وأحكمِ الناس وأصبرِ الناسِ وأكثرِهم دهاءً وحِيلةً، وما أضعفَ موقفَ صاحبِ الجنازةِ حين السؤالِ وليس له من مُجِيرٍ ولو كان في الدنيا يُحاطُ بالبنينِ والحَشَم والخدم، ولو كان صاحبَ جاهٍ وسلطانٍ وصولجانٍ وخِلَّان {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} (١)، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (٢) وما أعظمَ الهولَ حين يُنفَخُ في الصورِ، وربُّنا تبارك وتعالى يقول:


(١) سورة سبأ، الآية: ٤٢.
(٢) سورة المدثر، الآية: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>