للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسك، فإنك لو قتلت قتل جميع من معك، وأخذت البلاد، وفسد حال المسلمين. فقال له: اسكت يا قطب الدين فإن قولك إساءة أدب على الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟ قال: فبكى من كان حاضرًا رحمه الله (١).

إذا كان ذلك كذلك فلا غرابة أن يفتح القلاع ويدك الحصون، حتى فتح الله على يديه وانتزع من الكفار نيفًا وخمسين مدينة وحصنًا (٢) وينشر الله رعبه في قلوب الأعداء، فضلاً عن هيبة الصلحاء، حتى أن بعض المسلمين حينما دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام كانت القدس مع الفرنج سمعوا الفرنج وهم يقولون: إن القسيم ابن القسيم- يعنون نور الدين- له مع الله سر، فإنه لم يظفر وينصر علينا بكثرة جنده وجيشه، وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل، ويرفع يده إلى الله، ويدعو فيستجيب له ويعطيه سؤله، فيظفر علينا، قال: فهذا كلام الكفار في حقه (٣).

أيها الإخوة المسلمون .. أما عدل نور الدين محمود- يرحمه الله- فهو مثار الوصف، ومحل الإعجاب، فهو أول من ابتنى دارًا للعدل- كما نقل ابن الأثير وابن كثير- وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين، وقيل أربع مرات وقيل خمس، ويحضر القاضي والفقهاء من سائر المذاهب، ولا يحجبه يومئذ حاجبه ولا غيره، بل يصل إليه القوي والضعيف، فكان يكلم الناس ويستفهمهم ويخاطبهم بنفسه فيكشف المظالم وينصف المظلوم.


(١) البداية والنهاية ١٢/ ٢٩٧.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٥٣٣.
(٣) البداية والنهاية ١٢/ ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>