للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغ من عدله أن رأى يومًا رجلاً يحدث آخر ويومئ إلى نور الدين، فبعث الحاجب ليسأله ما شأنه؟ فإذا هو رجل معه رسول من جهة الحاكم، وهو يزعم أن له على نور الدين حقًا يريد أن يحاكمه عند القاضي، فلما رجع الحاجب وأعلم نور الدين ألقى ما بيده وأقبل مع خصمه ماشيًا إلى القاضي الشهرزوري، وأرسل إلى القاضي يقول له: لا تعاملني إلا معاملة الخصوم. ثم وقف مع خصمه أمام القاضي حتى انفصلت الخصومة ولم يثبت للرجل على نور الدين حق، بل ثبت الحق للسلطان على الرجل، فلما تبين ذلك قال للسلطان: إنما جئت معه لئلا يتخلف أحد عن الحضور إلى الشرع إذا دعي إليه، فإنما نحن معاشر الحكام أعلانا وأدنانا شجنكية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولشرعه، فنحن قائمون بين يديه طوع مراسيمه، فما أمر به امتثلناه، وما نهانا عنه اجتنبناه، وأنا أعلم أنه لا حق للرجل عندي، ومع هذا أشهدكم أني قد ملكته ذلك الذي ادعى به، ووهبته له (١).

لا غرابة بعد ذلك أن تتعلق الرعية به، ويطير صيته في الآفاق، كيف لا وقد أكثر من أعمال البر والإحسان إلى الناس، فعمر المساجد، وبنى المدارس، وأقام المستشفيات، وأسقط عنهم المكوس والضرائب، وما أبقى سوى الجزية والخراج والعشر، وكتب بذلك إلى جميع ولاته في البلاد، فكتبت له أكثر من ألف منشور. كما نقل ذلك العماد في البرق الشامي (٢).

بل نقل الحافظ ابن كثير أنه كتب إلى الناس ليكون منهم في حل مما كان أخذ منهم ويقول لهم: إنما صرف ذلك في قتال: أعدائكم من الكفرة والذب عن بلادكم ونسائكم وأولادكم، وأمر الوعاظ أن يستحلوا به من التجار (٣).


(١) البداية والنهاية ١٢/ ٢٩٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٥٣٦.
(٣) البداية والنهاية ١٢/ ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>