للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيظلُّ ما بقيَ الدِّينُ قائمًا والمسلمون أحياءَ.

والوقفُ نوعٌ من أنواعِ الصدقةِ في الإسلام، ويُعرَفُ بأنه حبسُ الأصلِ وتسبيلُ منفعتِه.

وقد أرشدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليه نفرًا من الصحابةِ جاؤوا يستشيرونَه، ففي ((صحيح البخاريِّ)) وغيره: أن عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبرَ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمرُه فيها، فقال: يا رسولَ الله، إني أصبتُ أرضًا بخيبرَ لم أُصِبْ مالًا قطُّ أنفسَ عندي منها، فما تأمرُ به؟ قال: ((إن شئتَ حَبَستَ أصلَها وتصدَّقتَ بها)) قال: فتصدَّقَ بها عمرُ أنه لا يُباعُ ولا يُوهب ولا يورَثُ، وتصدَّقَ بها في الفقراءِ وفي القُربَى، وفي الرِّقاب، وفي سبيلِ الله وابن السبيل، والضيفِ، ولا جُناحَ على مَن وَلِيَها أن يأكلَ منها بالمعروف ويُطعِمَ غيرَ متموِّلٍ (١).

عبادَ الله: هذه مشروعيةُ الوقفِ وبعضُ منافعِه، كما في وصيةِ عمرَ ومَشُورةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهذا نموذجٌ من نماذجِ الوقفِ في عصرِ النبوة.

وإليكم نموذجًا آخرَ والمشيرُ فيه كذلك رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم في قصةِ أبي طَلْحةَ رضي الله عنه وبَيْرَحاءَ، فعند أحمدَ والبخاريِّ ومسلمٍ عن أنس لما نزلتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (٢) جاء أبو طلحةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، يقول تعالى في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحاءُ، قال: وكانت حديقةً كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدخلُها ويستظلُّ بها ويشربُ من مائِها - فهي إلى الله عز وجل وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم أرجو بِرَّه وذُخْرَه، فضَعْها - أيْ رسولَ الله - حيثُ أراكَ اللهُ، فقال


(١) البخاري (٢٧٣٧)، ومسلم (١٦٣٢)، وأحمد ٢/ ١٢.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>