عبادَ الله: وهناك مفهومٌ خاطئٌ حين يظنُّ البعضُ أن الأوقافَ لا تكون إلا من الأغنياءِ أو من كبارِ السن، والحقُّ أن الأوقافَ أو الوصايا تكونُ من الشبابِ، ومن متوسِّطي الحالِ، وسواءً كانوا من الرجالِ أم النساء، وقد نقَلَ صاحبُ ((المُغْني)) عن جابرٍ رضي الله عنه قال: لم يكن أحدٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذو مَقدِرةٍ إلا وقَفَ. فإن قيل: وكيف يُوصِي أو يُوقِفُ شابٌّ لا يملكُ إلا مرتَّبًا شهريًا قد لا يأتي الشهرُ إلا وقد احتاجَ للمرتَّب الآخَر، أو شخصٌ مكتسِبٌ يُحصِّلُ كلَّ يوم ما يكفيهِ ومَن يَعُول؟ وليس لديه رصيدٌ ثابتٌ يُوقِفُ منه؟ وهنا أُجيبُ وأذكِّر بوسيلةٍ وَقْفيةٍ غير مُكلِفة ولا مُرهِقة، وهي على المدى البعيدِ وبالتعاونِ مع الآخرين ذاتُ أثرٍ وفاعليةٍ وجدوى، وذلك حين يتَّفقُ مجموعةٌ (ذكورًا كانوا أم إناثًا) على اقتطاعِ جزءٍ يسيرٍ من دَخْلِهم الشهريِّ ولمدةٍ متعيَّنةٍ سنتين أو ثلاثًا أو خمسًا أو أقلَّ أو أكثر، حتى إذا اجتمعَ لديهم المبلغُ المحصَّلُ جعلوه وَقْفًا يحبسون أصْلَه ويُنفِقون من رَيْعِه على أيِّ مشروع يَخدُمُ دينَ الله أو يُسهِمُ في مساعدةِ المحتاجين، وما أكثرَ المشاريعَ الخيريةَ التي تحتاجُ إلى دعمٍ! وما أكثرَ المحتاجين إلى المساعدةِ! ويمكن لأصحابِ هذا الوقفِ أن يجعلوا نفقةَ رَيْعِه عامةً، أو يُخصِّصوها على مشروعٍ معيَّن.
إننا بهذِه الطريقةِ الوَقْفيةِ الجماعيةِ سنسُدُّ ثَغَراتٍ محتاجةً، وسنتيحُ الفرصةَ لكلِّ راغبٍ في الوقف - مهما كان دخلُه - أن يوقِفَ، وهذه من باب التعاونِ على البِرِّ والتقوى، ونحن مأمورون بذلك، وبهذه الطريقةِ الوقفيةِ التعاونيةِ لن تعودَ الأوقافُ قصرًا على الأغنياء وكبارِ السن، بل ستشملُ شريحةً عريضةً في المجتمعِ هم الموظَّفون والمدرِّسون والمدرِّساتُ، وستشملُ كذلك المتسبِّبين وأصحابَ الحِرَف الأخرى، فهل نستجيبُ لنداءِ ربِّنا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وهل نفكِّرُ جميعًا بحاجة الفقراءِ والمساكين