ولكنَّ هذا القتلَ يتكررُ للمرأةِ في الجاهليةِ المعاصرة، وبصورةٍ أخرى، إنها تُقتَلُ في حيائِها وعفَّتِها، وتُوأَد في صَونِها وكرامتِها، وهل أعظمُ من وأدِ القيمِ والأخلاق؟
ومن تأمَّلَ واقعَ المرأة في كثيرٍ من البلدان أبصرَ كيف قُتِلَت المرأةُ وإن جاءت بلهجةِ التحرير، أو تحتَ عباءَةِ المطالبةِ لها بالحقوقِ، أو نحوِ ذلك من عباراتٍ فَضْفاضةٍ تخدعُ الدهماءَ والبسطاءَ، ويعلمُ زيفَها الراشدون من الرجالِ والنساء.
ولئن كان هناك تشابهٌ بين الوأْدَينِ، فهناك اختلافٌ بين الموءودةِ في الجاهليتينِ، إذِ المرأةُ في الأولى لم ترضَ بل ولم تُستشَرْ، وإلا لكان لها رأيُها وموقفُها .. ولكنَّ المصيبةَ حين تُدخَلُ المرأةُ المعاصرةُ في نفقٍ مظلمٍ تُبصِر أولَه، ولا تدري ما نهايتُه، وربما خُوِّفت النهايةَ، فخدعها بريقُ البدايةِ، أو دُفعت بالقوةِ لدخولِ النفق .. ألا فانتبهي أُختي المسلمةَ إلى الوأدِ الجديد، واحذري لصوصَه الماكرين.
فالناسُ وإن فَرِحوا بكل تصريح يُهدِّئ ويسكِّن، ويَعِدُ بالمحافظةِ على هُويةِ المرأةِ في تعليمها، وعدم تسلُّق الحصون سعيًا إلى اختلاطِها .. فهم كذلك يحتفظون بمواقفَ منكَرة، وحواراتٍ وتصريحاتٍ قديمةٍ وحديثةٍ مقلقةٍ، تطرحُ الاختلاطَ في الصفوفِ الأولى، وتقترحُ الأنديةَ للنساء، وترى إدخالَ التربيةِ البدنية في مدارسِ البنات .. أو نحوِ ذلك من طروحاتٍ حُفظت عن أشخاصٍ نافحوا عنها، فهل التصريحاتُ الأخيرةُ نسخًا للأفكارِ القديمة، فذلك حسنٌ، أم هي تهدئةٌ مؤقَّتة، وانحناءٌ للعاصفةِ، فذلك الذي لا يُقبَل، وإحسانُ الظنِّ مطلَب، واليقظةُ وعدمُ التغفيلِ مطلبٌ آخرُ.