للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقتلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مرجعِه منْ تبوكَ كما في قصةِ أصحابِ العقبةِ الواردةِ في صحيحِ مسلمٍ (١).

أما الذينَ بَقُوا فوجدوها فرصةً للتخطيطِ والاجتماعِ بأطرافٍ معاديةٍ منْ خارجِ المدينةِ، وكانَ المشروعُ النكِدُ في بناءِ مسجدِ الضرارِ بتنسيقٍ بين منافقي المدينةِ وأبي عامرٍ الفاسقِ الذي يُقيمُ عندَ الرومِ، وهذا الرجلُ منَ الخزرجِ وقد تنصَّرَ، فلما جاءَ الإسلامُ ودخلَ فيه الأنصارُ شَرِقَ أبو عامرٍ بالإسلامِ، فخرجَ إلى قريش وألَّبَهم على المسلمينَ، وحينَ لمْ يفلحْ، خرجَ إلى هرقلَ ملكِ الرومِ واسنتصرَهُ على ضربِ المسلمينَ، واتخذَ منَ المنافقينَ في المدينةِ أداةً للتخطيطِ، فأمرهم أنْ يتخذوا لهُ معقِلًا يقدمُ عليهِم فيهِ مَنْ يقدُمُ مِنْ عندِه لأداءِ كُتبِهِ ويكونُ مرصدًا لهُ إذا قدمَ عليهمْ بعدَ ذلكَ، فشَرَعَ المنافقونَ في بناءِ مسجدٍ مجاورٍ لمسجدِ قباءَ وأحكموهُ وفرَغوا منه قبلَ خروجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى تبوكَ وطلبوا منه أن يُصليَ فيه ليحتجُّوا بصلاتِهِ على إقرارِهِ وإثباتِهِ، فاعتذرَ إليهمْ بالسفرِ، فلما رجعَ منْ تبوكَ نزلَ الوحيُ عليهِ مسميًا هذا المسجدَ بمسجدِ الضرارِ كاشفًا ما اعتمدوهُ فيه من الكفرِ والتفريقِ بينَ المؤمنينَ، فبعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للمسجدِ مَنْ هَدَمَهُ وأحرقَه (٢).

وبقيَ وحيُ السماءِ موعظةٍ وذكرى لكلِّ عملٍ ظاهرُه الحُسنَى وباطُنه النفاقُ والكفرُ.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى


(١) (٤/ ٢١٤٤).
(٢) تفسير ابن كثير لآيتي التوبة (١٠٧ - ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>