للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون ... يتكرر في فترات من التاريخ لمن تأمل انسياح الإسلام في الأرض وغلبة المسلمين، أو انحسار مدِّ الإسلام وهيمنة غير المسلمين، وإذا كانت أكثرية المسلمين تلتزم بالإسلام في حالة غلبته، فإن القلة من المسلمين من يتمالك نفسه ويلتزم بمقتضيات العقيدة والدين ويصبر على اللأواء والمحن في حال غلبة أعداء الدين، إذ من الناس من يصاب بالهلع وفقدان الثقة بنصرة هذا الدين، ويصاب آخرون بالإحباط واليأس والقنوط من رحمة الله، والتسخط لأقدار الله، وتلك أدواء قاتلة وهي منافية لحقيقة التوحيد من الصبر واليقين والتقوى والتوكل على رب العالمين.

إخوة الإيمان وهذا الشعور قديم وهذه الفتنة غير مستحدثة، وهذا الهاجس تحدث عنه العلماء السابقون، وذلك حين أصيبت الأمة، وكاد اليأس يلف بعض المنتسبين للإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، (وهنا نكتةٌ نافعة، وهي أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيبُ كثيرًا من أهل الإيمان والإسلام في الدنيا من المصائب، وما يصيب كثيرًا من الكفار والفجار في الدنيا من الرياسة والمال وغير ذلك، فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا لأهل الكفر والفجور، وأن المؤمنين ليس لهم في الدنيا ما يتنعمون به إلا قليلاً، وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة قد تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين، وإذا سمع ما جاء في القرآن من أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وأن العاقبة للتقوى، وقول الله تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} (١) وهو ممن يُصدِّق بالقرآن حمل هذه الآيات على الدار الآخرة فقط، وقال: أما في الدنيا فما نرى بأعيننا إلا أن الكفار والمنافقين فيها يظهرون ويغلبون المؤمنين ... الخ (٢).


(١) سورة الصافات، الآية: ١٧٣.
(٢) كلام الشيخ وإجابته السديدة على هذه المشاعر الخاطئة والهواجس الفاسدة، فليراجعه من شاء في: جامع الرسائل، الرسالة الثالثة (قاعدة في المحبة) (عن: متى نصر الله، الجليل ص ٥٦ - ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>