وهذا تلميذه الشيخُ ابن القيم رحمه الله، يعرض أمام ناظريك أيها المسلم الحكمة من وراء تمكين أهل الكفر والفسوق والعصيان فيقول: «وكان في تمكين أهل الكفر والفسوق والعصيان من ذلك إيصالُ أولياء الله إلى الكمال الذي يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإنكار عليهم والموالاة فيه والمعاداة فيه، وبذل نفوسهم وأموالهم وقواهم له، فإن تمام العبودية لا يحصل إلا بالمحبة الصادقة، وإنما تكون المحبةُ صادقةً إذا بذل فيها المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة في مرضاة محبوبه والتقرب إليه، فإن بذل له روحه كان ذلك أعلى درجات المحبة، ومن المعلوم أن من لوازم ذلك ... أن يخلق ذواتًا وأسبابًا وأعمالاً وأخلاقًا وطبائع تقتضي معاداة من يحبه ... إلى أن يقول: فلولا خلق الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه لم يستخرج خاص العبودية من عبيده الذين هم عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه والحب فيه والبغض فيه، والعطاء له والمنع له (١).
أيها المؤمنون نستبطئ النصر أحيانًا ونحن بعد لم نقدم للنصر ثمنًا، ونستجعل النصر وقد لا يكون حان وقته بعد، ونتطلع إلى تغير مفاجئ في العالم ونحن بعد لم نغير ما بأنفسنا. وبالجملة فهناك معوقات للنصر وأسباب لتأخره، يعرفها العلماء ويجهلها البسطاء، وأسوق لكم طرفًا منها استجمعها صاحب الظلال- يرحمه الله- فاعقلوها وقارنوا واقع المسلمين بها، يقول سيد قطب- رحمه الله-: (والنصر قد يبطئ لأن بنية الأمة المؤمنة لم ينضج بعد نضخها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى
(١) إلى آخر كلامه النفيس في طريق الهجرتين ص ٢١٤، ٢١٥. طبعة قطر.