للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْ يُمضيَ سحابةَ نهارِه وشطرًا مِنْ ليلِه في أُنسٍ وفُكاهةٍ ومطعمٍ ومشربٍ، لا يكترثُ بمَ يُقضَى الوقتُ، ولا فرقَ عندَه بنوعيةِ ما يسمعُ أو يُشاهدُ ... ولو كانَ في دائرةِ الفسوقِ والفجورِ -ولهؤلاءِ وأمثالهم يُقال: إن في دينِنا -دينِ الإسلام- فُسحةً للترويحِ عنِ النفسِ، والأُنسِ بالأصحابِ، والمحادثةِ مع الخِلّانِ، والاستمتاعِ بالنظرِ، وتشويقِ الأذنِ للسمع .. ولكنْ في سياج الشرعِ المطهَّرِ، وفي حدودِ الفضيلةِ، وفي إطارِ المكارمِ والمحامدِ -وهذه الفضائلُ والمكارمُ، والحدودُ الآمنةُ- فيها غُنيةٌ للنفسِ وإراحةٌ للضميرِ، وطمأنينةٌ للقلبِ.

أجَلْ، إنَّ الدراساتِ والتقاريرَ الميدانيةَ تكشفُ أنَّ أكثرَ الناسِ إصابةً بالأمراضِ النفسيةِ، همُ المنفتحونَ على كلِّ شيءٍ، والمشاهدونَ لكلِّ شيءٍ، والمستمعونَ لكلِّ لَغْوٍ .. والمتخفِّفونَ من تكاليفِ الشرعِ فلم تَزدْهم هذه الغفلةُ والمؤانسةُ المنحرفةُ إلا همًّا وكمَدًا.

وأصبحَ الواحدُ منهُم بلسانِ حالِهِ يقولُ: لقدْ مارستُ كلَّ شيءٍ .. ولكنَّ هذه وتلكَ عادتْ عليَّ بالضيقِ والضجَرِ والكآبةِ والحسرةِ.

وعادَ هؤلاءِ يبحثونَ عن السعادةِ التي فَقَدوها، وأدرَكوا بعدَ حينٍ أنَّ الإعراضَ عنِ اللهِ وذكرِهِ وعبادتِه السببُ الأولُ والأخيرُ لهذه الأمراضِ النفسيةِ والانحرافاتِ السلوكيةِ .. وكأنَّهُم لأول مرةٍ يقرؤونَ قولَه تعالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (١).

وكأنَّهُم لأولِ مرَّةٍ يسمعونَ النداءَ: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (٢).

يا عبدَ اللهِ: أيُّ مشروعٍ تُفكرُ فيه في هذه الإجازةِ، لا بد أنْ تُحدِّدَ -ابتداءً-


(١) سورة طه، الآية: ١٢٤.
(٢) سورة الرعد، الآية: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>