للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن تطرُّفِ قريشٍ وافترائِها على الله ما قَصَّه الله عليهم في سورة الأنعام: {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا} إلى قوله: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} إلى قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} (١).

روى البخاريُّ ومسلمٌ رحمهما الله -في صحيحيهما- عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانت قريشٌ في الجاهليةِ ومن دانَ بدينِها يَقِفُونَ بالمزدلِفَةِ عند المَشعَرِ الحرام، وكان سائرُ العربِ يقفونَ بعرفاتٍ» (٢).

والمعنى أن قريشًا خصَّتْ نفسَها وميَّزتْها بالوقوفِ -في الحجِّ- في مزدلِفةَ دونَ سائرِ العربِ التي كانت تُفِيضُ من عرفاتٍ -يعني من الحِلِّ- وهي تمارسُ هذا التطرُّفَ الدينيَّ كانت تعلمُ أن الوقوفَ بعرفةَ من مشاعرِ الحجِّ التي مضى عليها إبراهيمُ عليه السلام، ولكن قريشًا تريدُ أن تُميِّزَ نفسَها عن الآخرين، ولم تكن هذه هي وحدَها أفكارَ قريشٍ في التطرُّف والتشريع بما لم يأذنْ به اللهُ، فقد كان من آرائِهم البِدْعيةِ الحُمْسيةِ أنهم حرَّموا على أنفسِهم في حالِ إحرامِهم: ألا يأْتطِقُونَ الأقِطَ -أي: لا يصنعونه وهم مُحرِمون-، ولا يَسْلُون السمنَ -أي: يذيبونه- ولا يأكلونه وهم مُحرِمون، ولا يأكلون اللحمَ أو شيئًا من نباتِ الحَرَم وهم مُحرِمون .. في جملةٍ من المحرَّماتِ ابتدعوها وأَلزمُوا بها أنفسَهم ومن وافقَهم،


(١) سورة الأنعام، الآيات: ١٣٦ - ١٤٠.
(٢) البخاري رقم ٤٥٢٠، ومسلم رقم ١٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>