يا أخا الإسلام: إنكَ تستطيعُ تحقيقَ العبوديةِ للهِ على كل حالٍ من أحوالِك وفي كلِّ شأنِ من شئونك، تحققُّ العبوديةَ للهِ في المسجدِ وفي بيتِك، وتحققُّ العبوديةَ للهِ متجرك أو وظيفتك، تحققُّ العبوديةَ للهِ في حضَرِكَ وسفرِكَ، وتحققُّ العبوديةَ في علاقتكَ مع ربكَ وحُسنِ خُلُقكَ مع الناسِ منْ حولِكَ.
إنكَ خُلقتَ وهُيِّئتَ منْ أجلِ أن تكونَ خليفةً في الأرضِ تعمُرُها بذكرِ الله، وتحرثُ الأرضَ فيكونُ المحصولُ غذاءً للناسِ لِيَتَقَووْا به على طاعةِ الله، وتتخذُ مصانعَ لتنتجَ من الآلياتِ والسلاحِ ما يُستعانُ به على تحقيقِ الدَّنيوية لله، لا من أجلِ أن يكونَ سلاحًا يُدمرَ البشريةَ ويهلكَ الحرثَ والنسل، تتعلمُ العلمَ ليكونَ دليلَكَ إلى اللهِ وليقودَك إلى الإيمانِ بالله .. فالعلمُ الحقُّ يدعو للإيمان ..
إنَّ البشريةَ حينَ تضلُّ في مسارها عنِ العبوديةِ للهِ تغدو الحياةُ مسرحًا تتهارشُ عليه الذئاب، وتتصارعُ فيها القوي، فلا ينتصرُ الأقوى حتى يدمرَ مَنْ دونَهُ من الضعفاء .. أفبهذا يُعمَّرُ الكونُ .. وهل تُحقَّقُ العبوديةُ للهِ بهذا اللونِ من الظلم؟
إنَّ على المسلمينَ الذينَ يقرأونَ القرآنَ فيجدونَ فيه تسبيحَ الكونِ بأحيائهِ وجماداتهِ للهِ .. عليهم أنْ يدركوا هذه الحقائقَ وأنْ يصلحوا ذواتِ أنفسِهم، ثم ينتقلوا بالإصلاحِ والدعوةِ إلى أممٍ أخرى بلغَتْ من العلمِ الماديِّ والحضارةِ والتقنيةِ مبلغًا عظيمًا .. لكنها أميةٌ في تحقيقِ العبوديةِ لله، وضالةٌ أو مغضوبٌ عليها بسببِ تجاهلِها لرسالاتِ السماء، ألا فابدأ بنفسِك أيها المسلم، وتأملْ هذا الكونَ ومنْ خَلقَهُ ولماذا خَلَقَه؟ وستجدُ الجوابَ في مثلِ قولهِ تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}(١).