للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى}.

وهل الليل والنهار إلا مراكب يختلف الناس في سبل الانتفاع بهما فمغبوط يستثمرها في طاعة الله، ويزرع فيهما ما يبلغه إلى الله ويسعد يوم لقاه، ومغبون مضيع لساعات الليل والنهار، مفرط على نفسه، يحمل الأوزار التي تثقل كاهله يوم العرض على الله، وصدق الله {إن سعيكم لشتى}.

ويقسم الله مرة ثالثة بالدهر فيقول {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (١) والعصر هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر، والله تعالى يقسم أن بني الإنسان كلهم في خسارة وهلاك إلا من استثمر وقته، واستنفد عمره في عمل الصالحات (٢) كما أقسم تعالى بالضحى والليل.

إخوة الإسلام يهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم بسنتيه القولية والفعلية إلى استثمار الوقت بما ينفع، ويحذر من إضاعة الأوقات سدى فيقول: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (٣). وتأمل قوله (كثير من الناس) والمعنى أن الذي يوفق لاستثمار هاتين النعمتين بما ينفع قليل.

قال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة


(١) سورة العصر، الآية: ١ - ٣.
(٢) تفسير ابن كثير ٨/ ٥٠٠.
(٣) أخرجه أحمد والبخاري وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>