للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل.

يسر الفتى طول السلامة والبقا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل

يرد الفتى بعد اعتدال وصحة ... ينوء إذا أم القيام ويحمل (١).

ولقد كان استثمار الوقت أحد نصائحه، وضمن مواعظه عليه الصلاة والسلام لأصحابه يقول- وهو الناصح الأمين- لرجل وهو يعظه: «غانم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (٢).

فإذا كانت تلك طائفة من سنته القولية فيكفي أن ينظر اللبيب فيما عمل وخلف في مدة لا تتجاوز ثلاثة وعشرين عامًا، لقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، علم العلم وفاق غيره في العمل، وزرع الخير واقتلع جذور الشر، جاهد في الله في كل ميدان، وخلف أجيالاً تحمل مشاعل النور والهدى من بعده.

أيها المسلمون يكفيكم أن تطلعوا على نماذج من سير أصحابه لتروا كيف كانوا يعملون، وكيف كانوا لأوقاتهم مستثمرين، وفي ذلك إجابة لمن لا زالوا حائرين في استثمار الأوقات، متطلعين إلى نماذج راشدة في ملء الفراغ وبماذا تقضى الأوقات؟

وإذا كانت العبادة الحقة لله رب العالمين هدف الوجود في هذه الحياة امتثالاً لقوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (٣).


(١) الفتح ١١/ ٢٣٠.
(٢) أخرجه الحاكم موصولاً وصححه ووافقه الذهبي وغيره، شرح السنة للبغوي ١٤/ ٢٢٤.
(٣) سورة الذاريات، الآية: ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>