للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ، وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ، فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (١).

والمؤمنونَ مع محمدِ صلى الله عليه وسلم حين خُوِّفوا بجمع الكافرين وتهديدِهم لجئوا إلى سلاح التوكل وآووْا إلى ركنٍ شديد {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} ثم قالَ مبيِّنًا مصدرَ الخوفِ مِنْ غيرِ الله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (٢).

وخرجَ المسلمون إلى حمراءِ الأسدِ ومصابُهم كبيرٌ في أُحد، وجراحاتُهم تثعبُ دمًا .. لكنه الصدقَ مع اللهِ والخوفَ منهُ وحدَه .. والصبرَ والتحملَ في ذاتِ الله .. الأمرُ الذي أرهبَ العدوَّ فولَّوْا مدبرين.

كمْ نحنُ بحاجةٍ إلى إحياءِ هذه المفاهيم- حينَ تحزُبُ الأمورُ- ليكونَ الخوفُ كلُّه من الله، وليكونَ التوكلُ جميعُه على الله، لا أنْ تكونَ هذه المفاهيمُ نرددُها في حالِ السراءِ، ثم تغيبُ عنّا- أو عنْ بعضِنا- في حالِ الضراء!

أيها المسلمون: ومنْ عجبِ أنَّ المؤمنينَ الصادقينَ لا تزيدُهم الشدائدُ إلا قوةً وإيمانًا وتسليمًا، بخلافِ غيرهمْ ممن يَفرَقونَ عندَ أدنى مصيبة، بلْ ويحسبونَ كلَّ صيحةٍ عليهم. ودعوني أقفُ وإياكمْ على قصةِ المسلمين حين دهمَتْهم الأحزابُ في المدينة، لا كما تعرضُها كتبُ السيرةِ، فتلك مطوَّلة وإن كانت مفيدةٌ، ولكنْ


(١) سورة يونس، الآيات: ٨٣ - ٨٦.
(٢) سورة آل عمران، الآيات: ١٧٣ - ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>