للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - من يُعبِّرُ الرؤى؟

حينَ يقالُ: لا ينبغي أن يتصدرَ كلُّ أحدٍ لتعبيرِ الرؤى، يُقالُ كذلك- لأصحاب المناماتِ-: ألاَّ يقصُّوا رؤياهم على كلِّ أحدٍ إلا على وادٍّ ناصح، أو ذي رأي؛ وفي روايةٍ: «لا يقصُّ الرؤيا إلا على عالمٍ أو ناصح».

قال ابنُ العربي: أما العالمُ فإنه يئولها على الخيرِ مهما أمكنَه، وأما الناصحُ فإنهُ يرشدُ إلى ما ينفعُه ويعينُه عليه، وأما اللبيبُ- وهو العارفُ بتأويلها- فإنهُ يعلمُه بما يعوَّلُ عليه في ذلكَ أو يسكتُ، وأما الحبيبُ فإنْ عرفَ خيرًا قاله، وإنْ جهلَ أو شكَّ سكتَ (١).

ويرحمُ اللهُ الإمامَ مالكَ بنَ أنس، فقد سُئل: أيعبرُ الرؤيا كلُّ أحد؟

فقال: أبالنبوةِ يُلعبُ، ثم قال: الرؤيا جزءٌ من النبوةِ، فلا يُلعبُ بالنبوة (٢).

وإذا كانَ الإمامُ ابنُ سيرين- رحمهُ الله- وهو المشهورُ بتعبير الرؤى يُسأل عن مائةِ رؤيا فلا يُجيبُ فيها بشيءٍ إلا أنْ يقولَ: اتقِ اللهَ وأحسِنْ في اليقظة، فإنهُ لا يضرُّك ما رأيتَ في المنام، وكان يقول: إنما أُجيبُه بالظنِّ والظنُّ يُخطئُ ويصيبُ (٣). إذا كان هذا منهج ابن سيرين فكيف بمن دونه من المُعبرين؟

وكمْ هي لفتةٌ ودعوةٌ قد تغيبُ عن بعضِ المعبرين، وذلكَ بتذكيرِ صاحبِ الرؤيا بالتقوى وعمل الصالحاتِ في حال اليقظةِ، والتحذير من المخالفاتِ الشرعية، فهذه وتلك تدفعُ- بإذنِ الله- السوءَ والمكروه، وصنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ، كما في الخبر الصحيح.


(١) الفتح ١٢/ ٣٦٩.
(٢) الفتح ١٢/ ٣٦٣.
(٣) الآداب الشرعية لابن مفلح ٤/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>