للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمكارم، لما كان مُبالغًا، وليس الخبرُ كالمعاينَةَ، فلتقِفْ على شيءٍ من هذا.

فالصائمُ يُربِّي نفسَه على (الإخلاص) وهو يستجيبُ لدعوةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّم من ذَنْبِه» فلا يصومُ رياءً ولا سمعةً ولا مجرَّدَ تقليدٍ للصائمين، بل يصومُ مُخلِصًا لله، راجيًا لثوابِه ..

وفي الحديثِ الآخر عند البخاريِّ: «يَتُرك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أَجْلي، الصيامُ لي وأنا أَجْزي به» وأيّ درسٍ في الإخلاص أعظمُ من هذا؟

إن الصومَ- معاشرَ الصائمين- عبادةٌ خفيةٌ، وسرٌّ بين العبد وربِّه، ولهذا قال بعضُ العلماء: الصومُ لا يَدخُلُه الرياءُ بمجرَّد الأعمالِ، فإن الرياءَ قد يدخلُها بمجرَّد فعلِها (١).

وفي الصوم درسٌ عمليٌّ للصبرِ ليس في الامتناعِ عن أكلِ أو شربِ ما حرّم اللهُ فحسبُ، بل وعمَّا أحلَّ اللهُ من طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمس، وفي ذلك ترويضٌ للنفسِ وتهذيبٌ للغرائز، وطردٌ للجَشَعِ والطَّمَع.

ومَن يُطعمِ النفسَ ما تشتهي ... كمَن يُطعم النارَ جَزْلَ الحَطَبْ

لا، بل إنَّ الصيام يُدرِّب الصائمَ على الصبرِ في تَحمُّل الأذى، والحِلْمِ والصَّفْحِ لمن أساءَ له مُكتفيًا بالقولِ: «إني صائم».

أيها الصائمون: أما أَثرُ الصيامِ في الخوفِ والرجاء- وهما جناحانِ لا بُدَّ للمَرْءِ أن يطيرَ بهما إلى الله ونعيمِ الآخرة- فالصائمُ يخافُ ربَّه وحدَه في الحفاظِ على صيامه، وهو يَرجُوه وحدَه في المَثُوبة على صيامه، وإذا كان الصائمُ إنما يصومُ إيمانًا بالله فلا شكَّ أنَّ الإيمانَ خوفٌ ورجاء، خوفٌ من عذابِ الله ورجاءُ رحمتِه وطمعٌ في جنَّتِه .. وهكذا يحقِّقُ الصائمُ المحتسِبُ مَنزِلَتَي الخوفِ


(١) محمد الحمد: رمضان دروس وعبر، ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>