أما الصنفُ الثالث فهم المُصطَفَوْنَ الأخيار، وهم الذين وفَّقهم الله لتزكية نفوسِهم في رمضان، ثم واصلوا تزكيتَها في سائرِ العام، وكلما مَسَّهم طائفٌ من الشيطان أو ضَعُفت نفوسُهم عن المَعالي، تذكَّروا فإذا هم مبصرون، وتابوا وأنابوا إلى ربِّهم، وما يزالون في جهادٍ لأنفسِهم ومجاهدةٍ لأهوائهم حتى يَلقَوْا ربَّهم.
وهنا لَفْتةٌ وتنبيهٌ وذِكرى للصائمين عن أمرٍ نحتاجُ إليه جميعًا، وهو في عِداد مدرسةِ الصوم والأخلاقِ الفاضلة في رمضان- إنها التوبةُ، وإنما يَحسُن الحديثُ عن التوبةِ في كل حين، ولكنه يَطِيبُ أكثرَ في رمضان، لأنه موسمٌ للرجوعِ والإنابة، والنفوسُ تَجِدُ في هذا الشهرِ عَوْنًا على التوبة من الأخطاءِ والسيئاتِ أكثرَ من غيره، وإلا فكلُّنا وفي كل حينٍ مدعوُّون من ربِّنا للتوبةِ {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(١).
ولكنَّ التوبةَ منها ما هي واجبةٌ ومنها ما هي مستحبَّةٌ، فالتوبةُ الواجبةُ هي التي تكون من فِعْل المحرَّماتِ وتركِ الواجباتِ، وهذه لا ينبغي التساهلُ والتأخيرُ فيها، والتوبةُ المستحبَّة إنما تكون من فعل المكروهاتِ وتركِ المستحبَّاتِ، وهذه يليقُ بالمسلم أن يدرِّبَ نفسَه عليها حتى لا تخترقَ المكروهاتِ إلى المحرَّمات، وحتى لا تتجاوزَ في التساهل من المستحبَّاتِ إلى الواجبات.
وإذا دعانا اللهُ إلى (التوبةِ النَّصُوح) فقد قال أهلُ العلمِ عنها: إنها الخالصةُ الصادقةُ، الناصحةُ، الخاليةُ من الشوائبِ والعِلَل، وهي التي تكون من جميعِ الذنوبِ فلا تَدَعُ ذنبًا إلا تناولَتْهُ، وهي التي تدعو صاحِبَها إلى عدم الترددِ والتلوُّمِ