للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانتظار، وهي التي تقعُ لِمَحْضِ خوفِ الله وخَشْيتِه، والرغبةِ والرهبةِ له سبحانه .. (١).

وهنا بُشرى وذِكْرى للتائبينَ، إذ يُقرِّر العلماءُ رجوعَ الحسناتِ إلى التائب بعدَ التوبة، فإذا كان للعبدِ حسناتٌ ثم عمل بعدَها سيئاتٍ استغرَقَتْ حسناتِه القديمةُ وأبطلَتْها، ثم تاب بعدَ ذلك توبةً نَصُوحًا، عادت إليه حسناتُه القديمةُ، ولم يكن حكمُه حكمَ المستأنِفِ لها، بل يُقال له: تُبتَ على ما أسلفتَ من خير، وفي هذا يقول ابنُ القيِّم رحمه الله مبيِّنًا العِلَّةَ في ذلك: «وذلك لأن الإساءةَ المُتَخَلَّلةَ بين الطاعتينِ قد ارتفعَتْ بالتوبةِ وصارت كأنها لم تكن، فتلاقتِ الطاعتانِ واجتمعتا، والله أعلم» (٢).

ألاَ ما أعظمَ فضلَ الله عل التائبينَ! ألا أن رمضانَ فرصةٌ للتوبة وبابٌ للسعادةِ، ومدرسةٌ للأخلاقِ الفاضلة، ونافذةٌ للفلاحِ والاستقامةِ.

أخي الصائمَ، اربَأْ بنفسِكَ أن يمرَّ عليكَ شهرُ دون أن تستفيدَ من حِكَمِه وأسرارِه، وحَنانَيكَ أن تَقصُرَ هذه الفائدةَ على أيامٍ معدودة، بل اجعل من رمضان فرصةً لزكية نفسِك طِيلةَ العامِ، والله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (٣) أي: طَهَّرَها من الذنوبِ ورقَّاها بطاعةِ الله، وعلّاها بالعلمِ النافع والعمل الصالح، واحذَرْ من إخفاءِ نفسِك الكريمةِ وتدنيسِها بالرذائل، واستعمالِ ما يَشِينُها ويدنِّسُها، والله يقول: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (٤) أي: أخفاها في مزابلِ


(١) محمد الحمد: رمضان دروس وعبر، ص ٢١٤.
(٢) عن: محمد الحمد: رمضان دروس وعبر، ص ٢١٦.
(٣) سورة الشمس، الآية: ٩.
(٤) سورة الشمس، الآية: ١٠، تفسير السعدي ٧/ ٦٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>