أيها المؤمنون: وهلْ تعلمونَ أنَّ هذا الخليفةَ الذي ملأ الأرضَ عدلًا وذكرًا حسنًا ماتَ ولمْ يبلغِ الأربعين منْ عُمُره؟ وما يَضِيرهُ أنْ دفعَ حياتَه ثمنًا للعدلِ وإحقاقِ الحقِّ، وما بلغتْ خلافتُه ثلاثَ سنين؟
تقلّبَ في حياةِ النعيمِ، فما غرّهُ زهرةُ الدنيا عنْ نعيمِ الآخرة، وتربعَ على مناصبِ الوزارةِ والإمارةِ والخلافةِ فما داخلَهُ العجْبُ ولا فتنةُ الكبرياء، بلْ كانَ سيدَ العابدين، وإمامَ الزاهدين، ونموذجَ القانتين، أتتْهُ الخلافةُ على كُرهٍ منه، فاستشعرَ المسئوليةَ وأدّى الأمانةَ، ونصحَ للأمة، وطوّفَ بالإسلامِ في مشرقِ الأرضِ ومغربِها .. وشهدَ على عدلِه البَرُّ والفاجرُ، وأشادَ به أهلُ الكتابِ فضلًا عن المسلمين. كانَ لتربيتهِ في الصغر أثرٌ في حياتِهِ في الكِبَر.
وقدْ أحسنَ والدُه اختيارَ أمِّه- والعرقُ دسَّاسٌ، والعزُّ في أوراك النساء، كما يُقال- وأمُّهُ منْ بيتِ عمر الفاروقِ رضيَ الله عنه؛ فهيَ أمُّ عاصمٍ بنتِ عاصمِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهمْ أجمعين، فعمرُ جدُّه لأمهِ، ووالدُه عبدُ العزيزِ بنُ مروانَ حينَ أرادَ أنْ يتزوجَ أمَّ عمرَ بنِ عبدِ العزيز قالَ لقيِّمه: اجمعْ لي أربعَ مئةِ دينار منْ طيِّبِ مالي، فإني أريدُ أنْ أتزوجَ إلى أهلِ بيتٍ لهمْ صلاح، فتزوجَ أمَّ عمر، وهكذا «فاظفرْ بذاتِ الدينِ تَرِبتْ يداك»(١).
معاشرَ المسلمين: والحديثُ يطولُ عنْ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ العالمِ الرباني، والخليفةِ الزاهد، والمجاهدِ الشهيد .. ولكنْ دعونا نقفُ على معالمَ مضيئةٍ من جوانبِ سيرتهِ تتمثل في ما يلي:
أولًا: أثرُ التربية .. لاشكَّ أنَّ اللهَ هو الهادي والموفقُ منْ شاء، ولكنْ لتربيةِ الوالدينِ وعنايتهمْ بالولدِ أثرًا لا يُنكر .. وليسَ يخفى أنَّ الغلامَ عمرَ أذنَ لهُ والدُه