للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخروجِ منْ دارِ الإمارةِ بمصرَ- حيثُ كانَ أبوه أميرًا على مصرَ- وتوجَّه إلى دارِ الهجرةِ والعلمِ، المدينة، وبها عكفَ على العلمِ وتأدبَ بأدبِ العلماء، فاشتهرَ بالعلمِ والعقلِ مع حداثةِ سِنِّه .. وللعلمُ نورٌ وبركةٌ لا تُخفى.

وحينَ بعثَهُ أبوهُ إلى المدينةِ ليتعلمَ ويتأدبَ بها، كتبَ إلى صالحِ بن كيسانَ يتعاهَدُه، وكان يُلزمه الصلوات، فأبطأ يومًا عنِ الصلاة، فقال: ما حَبسكَ؟ قال: كانت مُرجِّلتي تُسكِّن شعري، فقال: بلغَ منْ تسكينِ شعركَ أنْ تؤثرَه على الصلاة؟ وكتبَ بذلكَ إلى والده، فبعثَ والدُه رسولًا إليه، فما كلّمه حتى حلقَ شعرَه (١).

وهكذا شأنُ التربية، وكذلكَ تكونُ العنايةُ بالصلاةِ على وجهِ الخصوص.

ثانيًا: عمرُ وزيرُ صدقٍ يعظُ الخليفةَ ويبكيهِ وينصح للرعية؛ حينَ وليَ سليمانُ بنُ عبدُ الملكِ الخلافةَ قالَ لعمرَ بنِ عبدِ العزيز: أبا حفص، إنَّا وُلينا ما قدْ ترى، ولمْ يكنْ لنا بتدبيرِه علْمٌ، فما رأيتَ منْ مصلحةِ العامةِ فمُرْ به. فكانَ من ذلك عزلُ عُمالِ الحجّاج، وأُقيمتِ الصلواتُ في أوقاتها بعدما كانتْ أُمِيتَتْ عنْ وقتِها، معَ أمورٍ جليلةٍ كانَ يسمعُ منْ عُمرَ فيها .. وفي إحدى السنواتِ حجَّ سليمانُ فرأى الخلائقَ بالموقف فقالَ لعمرَ: أما ترى هذا الخلقَ الذي لا يُحصي عددَهم إلا اللهُ؟ قال (عُمر): هؤلاءِ اليومَ رعيتُك، وهمْ غدًا خُصماؤُك، فبكى (الخليفةُ) بكاءً شديدًا.

قال الذهبي: كانَ عمرُ لسليمانَ وزيرَ صِدْقِ (٢). وهكذا ينبغي أنْ يكونَ المستشارون وكذلكَ يكونُ الوزراءُ الناصحون.


(١) الذهبي، سير أعلام النبلاء ٥/ ١١٦.
(٢) السير ٥/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>