للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلكَ إلا بلّغني، فجزَوْهُ خيرًا وتفرقوا (١).

أما الشعراءُ والمداحونَ فلمْ يكنْ لهمْ سوقٌ في خلافةِ عمرَ، وعنهمْ يعبرُ الشاعرُ جريرٌ الذي قدمَ إلى عمرَ وطالَ مقامُه على بابِ عمرَ، ولم يلتفتْ إليهِ فكتبَ إلى عونِ بنِ عبدِ الله وكانَ خصيصًا بعمر يقول:

يا أيها القارئُ المرخِّي عمامتَهُ ... هذا زمانُكَ إني قدْ مضى زمني

أبلغْ خليفَتَنا إنْ كنتَ لاقِيَهُ ... أني لدى البابِ كالعصفورِ في قرنِ (٢)

أيها المسلمون: هذه نماذجُ غاليةٌ في تاريخِنا .. وأولئكَ النبلاءُ منْ رجالِنا، وحقَّ للتاريخِ أنْ يسطرَ مآثرَهم بمدادٍ منْ ذهب، وحقَّ للمسلمينَ أن يفخروا بمثلِ هؤلاء، إنهمْ رجالٌ عرفوا قيمةَ الدنيا وقدرَ الآخرة، افتخروا بالإسلامِ فافتخرَ بهمُ المسلمون، ومثَّلوا الإسلامَ فاستجابَ لهمْ غيرُ المسلمين.

أولئك آبائي فجئني بمثلهِمْ ... إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ

وليسَ عمرُ فلتةً في التاريخ، بل لهُ نظائرُ قبلَه وبعده، ولا يزالُ الخيرُ في هذهِ الأمة، ولئنْ غَفَتْ هذه الأمة فترةً من الزمن، فما أسرعَ ما يستيقظُ النائمُ، ولئنْ ذَلَّتْ وعَزَّ أعداؤُها فالأيامُ دولٌ .. والعاقبةُ للمتقينَ ولا عدوانَ إلا على الظالمين.

ولكنْ قراءةُ التاريخِ بعمقٍ واحدةٌ من سبلِ نهضةِ المسلمين وعزتِهم؛ ففي التاريخِ عبرةٌ، وفي أحداثِ الزمانِ موعظةٌ لأولي الألباب.


(١) سير أعلام النبلاء ٥/ ١١٨.
(٢) السيوطي/ ٣٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>