للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللمؤمنينَ، فهمْ لا يكتفونَ بالإصغاءِ والسَّماعِ .. ولا يَقِفُونَ عندَ حدِّ الرِّضاءِ والقبولِ، بل يقترفونَ ويخطِّطون ويَعملون.

إنها آيةٌ ظاهرةٌ في تعاونِ الأعداءِ فيما بينهمْ ضدّ الإسلامِ والمسلمينَ، والمعركةُ التي يقودُها الباطلُ والمبِطلون ضدَّ الحقِّ يتجمِّعُ فيها أصنافُ الشياطينِ، ويتعاونونَ لإمضاءِ خطّةٍ مدبَّرةٍ. فبعضُهمْ يوحِي إلى بعضٍ، وبعضُهم يُغوي بعضًا.

رابعًا: ولكنَّ هذا الكيدَ والمكرَ مهما بلغَ شأنُه واجتمعَ لهُ الخصومُ منْ كلِّ صوبٍ فليسَ طليقًا .. بلْ هوَ مقيَّدٌ بقَدَرِ اللهِ، ومُحاطٌ بمشيئتهِ سبحانَه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} (١)، إنهُ لا ينطلقُ كما يشاءُ بلا قيدٍ ولا ضابطٍ، ولا يصيبُ مَن يشاءُ بلا مُعقِّبٍ ولا رادعٍ .. وإنَّ الأعداءَ مهما بلغتْ قوتُهم وإرادتُهمْ فهيَ مقيَّدةٌ بمشيئةِ اللهِ ومحدودةٌ بقَدَرِ اللهِ .. وهنا يتعلَّقُ المؤمنُ باللهِ ويُسلّي نفسَه موقِنًا بأنَّ القوةَ للهِ جميعًا .. وأنَّ الخَلْقَ مهما صَنعوا فهمْ لا يشاءونَ إلا أنْ يشاءَ اللهُ، فيعتصمُ المؤمنُ باللهِ وحدَه، ويتوكَّلُ عليهِ وحدَهُ، ويخافُه وحدَهُ، ويرجوهُ وحدَه، معَ فعلِ الأسبابِ والأخذِ بسُبلِ النجاةِ.

خامسًا: والماكرونَ لهمْ عذابٌ شديدٌ، ومكرُهمْ يبورُ، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (٢)، قالَ أبو العاليةِ: همُ الذينَ مكروا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم لمّا اجتمعوا في دارِ النَّدْوةِ (٣).

ونهايةُ مكرِهمْ في تبابٍ، واللهُ يدافعُ عنْ أوليائهِ المؤمنينَ ويحفظُهمْ منْ مكرِ


(١) سورة الأنعام، الآية: ١١٢.
(٢) سورة فاطر، الآية: ١٠.
(٣) تفسير القرطبي ١٤/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>