وابتدأِ المعركةُ على إثرِ تكبيرِ القائد الشهيدِ (النعمان) وكانت شديدةً، ولكن فرسانَ المسلمينَ كانوا يَشقّون الصفوفَ وفي طليعتِهم (النعمانُ) والذي كان أولَ شهيدٍ في أرضِ المعركةِ، فما وَهَنَ المسلمون وما استكانوا بل استلمَ بعد النعمانِ (حذيفةُ بن اليمانِ) وأخفى خبرَ (النعمان) وهكذا شأنُ المسلمين، فكلَّما غاب منهم سيدٌ قام سيدٌ، وهكذا حتى تمَّ النصرُ المؤزَّرُ للمسلمين، وهرب (الفيرزانُ) قائدُ الفُرْس، فلحِقَه القعقاعُ بن عمرو رضي الله عنه وقتله، وقُتل (يزدجردُ) ملكُ الفرس، وتفرَّق جمعُ الفُرس حينَها، بل انتهى أمرُ الفرسِ على إثرِ هذه المعركةِ التي سُمِّيت بـ (فتحِ الفتوح).
وهلَّل المسلمون- في أرضِ فارسَ- للنصرِ وكبَّروا .. ثم التفتوا يسألون عن قائدِهم (النعمانِ) ليبارِكُوا له النصرَ، ويهنِّئوه بما فتح اللهُ على يديه .. ولكن القائدَ قد فاضتْ روحُه إلى بارئِها وأقرَّ اللهُ عينَه بنصرِ الإسلام وعزِّ المسلمين- كما دعا- وحين أخبرهم أخوه (نُعَيم بن مقرِّن) قائلًا: هذا أميرُكم خُتِمَ له بالشهادةِ؛ لم يتمالكِ المسلمون أنفسَهم من البكاءِ لأميرِ نهاوندَ الشهيدِ، فبكَوْه بكاءً شديدًا.
أما المسلمون في المدينةِ، فكانوا بشَوْقٍ إلى معرفةِ الأخبارِ، وكان الخليفةُ عمرُ ينتظر نتائجَ معركةِ (نهاوند) بقلقٍ كبيرٍ، أجل لقد أَسهرتْهُ ليالي نهاوندَ، وكان يخرج إلى ضواحي المدينةِ في حرِّها القاسي ينتظرُ أخبارَ الفتحِ ويستنصرُ، وكان الناسُ مما يرونَ من استنصارِه ليس لهم همٌّ إلا (نهاوندُ) و (ابن مُقرِّن) فجاء إليهم أعرابيٌّ مهاجِر، فلما بلغ البقيعَ قال: ما أتاكم عن (نهاوند)؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: لا شيء، فأرسل إليه عمرُ، فأتاه، فسأله فقال: أقبلتُ بأهلي مهاجرًا حتى وَرَدْنا مكانَ كذا وكذا، فلما صَدَرْنا إذا نحن براكبٍ على جملٍ أحمرَ ما رأيتُ