رحمةِ الله وأَيَّسَهُ مِنَ التوبةِ فهوَ مخطئٌ في حقِّ نفسهِ وحقِّ غيره، ومهما كانتْ ذنوبُ العبدِ فعفوُ اللهِ أوسعُ .. ولكنَّ الحبلَ الموصلَ إلى هذهِ الرحمةِ هوَ التوبةُ الصادقةُ والإنابةُ إلى الله، والشعورُ بعِظَمِ الذَّنْبِ.
الثانية: فضلُ العالمِ على العابد، فالمسئولُ الأولُ راهبٌ متعبدٌ غاَبت عنه سعةُ رحمةِ الله، فأفتى هذا القاتلَ بعدمِ قبولِ توبتهِ فقتَلَهُ مكمِّلًا به المائة، ولكنْ حينَ استفتى العالِمَ فتحَ لهُ آفاقَ التوبةِ، وأرشدَهُ إلى ما يُعينهُ إلى ذلك .. وكانَ سببًا في نجاةِ نفسهِ وفي تخليصِ هذا المذنبِ من ذنوبه، وفي هذا تأكيدٌ على فضيلةِ العلمِ وقدرِ العلماء، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكب.
الوقفةُ الثالثة: حاجةُ المذنبِ التائبِ إلى تغييرِ البيئةِ التي مارسَ فيها جرائمَهُ .. وحاجتُه كذلكَ إلى تغييرِ الخِلّانِ الذين كانوا سندًا له في ارتكابِ الموبقات .. فالقرينُ مؤثِّرٌ، والصاحبُ ساحبٌ، ومنْ جالسَ المُصلينَ صلَّى، ومنْ عاشَ مع الغافلينَ أعرضَ وتولى .. ولذا قالَ العالمُ لهذا التائب:(انطلِقْ إلى أرضِ كذا وكذا، فإنَّ بها أناسًا يعبدونَ اللهَ فاعبدِ اللهَ معهم، ولا ترجعْ إلى أرضكَ فإنها أرضُ سوء).
نعم، إنَّ كثيرًا مِنَ التائبينَ الذينَ يعودونَ إلى ما كانوا عليهِ إنما عادوا لأنهمْ لمْ يَصْدُقوا في توبتهم، ولم يهجُروا أصحابَ السوءِ منْ أقرانهم، فلا يزالُ بهمْ هؤلاءِ الأقرانُ يوسوسونَ لهمْ ويتهمونَهم على توبِتهم حتى يَنْكُصُوا على أعقابِهم .. ويعودوا إلى سالفِ منكراتهم، ولذا قالَ العلماءُ تعليقًا على هذا الحديث:
وفي الحديثِ استحبابُ مفارقةِ التائبِ المواضعَ التي أصابَ بها الذنوب، والأخْدانَ المساعدينَ لهُ على ذلك، ومقاطعتِهمْ ما داموا على حالِهم وأنْ