للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلمٍ وتعيمِ الفداء، وللهِ الحمدُ (١).

عبادَ الله: وما بالُ المسلمينَ لا يفرحونَ بهذا الحديث، وقدْ جاءَ في روايةٍ أخرى: «يجيءُ ناسٌ منَ المسلمينَ بذنوبٍ أمثالَ الجبال، فيغفرُها اللهُ لهمْ ويضعُها على اليهودِ والنصارى» (٢).

وفي هذا المعنى يردُ حديثُ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه يرفعُه: «لكلِّ أحدٍ منزلٌ في الجنةِ ومنزلٌ في النار، فالمؤمنُ إذا دخلَ الجنةَ خلَفَه الكافرُ في النار .. ».

قال العلماءُ في معنى هذه الأحاديث، والجمعِ بينها وبينَ قولِهِ تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٣): إنَّ المسلمينَ يغفرُ اللهُ لهمْ ذنوبَهمْ ويُسقِطُها عنهمْ بإسلامهم، ويضعُ على الكفارِ بكفرِهمْ وذنوبهمْ مثلَها، فصارَ الأمرُ وكأنَّ الكفارَ حمِّلوا ذنوبَ المسلمين، وإنما حمَلوا ذنوبَهمْ ولمْ يغفرْها اللهُ لهمْ لكُفرِهم.

ويحتملُ أنْ يكونَ المرادُ آثامًا كانَ للكفار سببٌ فيها بأنْ سنّوها للمسلمين فاحتمَلوا وِزْرَها ووزْرَ من عملَ بها (٤).

عبادَ الله: وسواءٌ قيلَ هذا أو غيرَهُ منْ تأويلاتِ فكاكِ الكفارِ عنِ المسلمينَ يومَ القيامة، فلا ينبغي للمسلمِ أنْ يستهينَ بأمرِ اللهِ ويعتدي على حُرُماتِه، لكنهُ يعملُ الصالحاتِ ويرجو رحمةَ ربِّه، ويدركُ نعمةَ الإسلامِ التي هو فيها، وحُرِم غيرُه إياها، وفضلُ المسلمِ على الكافر حيًّا وميتًا، وفي الدنيا ويومَ يقومُ الأشهادُ، فيدعوهُ ذلكَ للاستمساكِ بالإسلامِ والاعتزازِ به، ودعوةِ غيرهِ إليه، ولا


(١) النووي، شرح صحيح مسلم ١٧/ ٨٦.
(٢) النووي ١٧/ ٨٥.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ١٥.
(٤) النووي، شرح مسلم ١٧/ ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>