للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، ما أكلَ هؤلاءِ الثلاثةِ مالًا حرامًا ولا سَفَكوا دمًا حرامًا، ولا أفسدوا في الأرض، أصابهمْ ما سمعتمْ وضاقتْ عليهمُ الأرضُ بما رَحُبَتْ، فكيفَ بمنْ يواقعُ الفواحشَ والكبائرَ (١)؟ !

أيها المسلمون: لم تنتهِ بعدُ قصةُ الثلاثةِ الذين خُلِّفوا، وثمةَ دروسٌ وعبرٌ أخرى لكني أُرجئُ ذلكَ لخطبةٍ أخرى إنْ شاء الله.

وثمةَ ما يُذكَّرُ بهِ هذه الأيام، ألا وهوَ صومُ يومِ عاشوراءَ، فنحنُ الآنَ في شهرِ اللهِ المحرم، وفي العاشرِ منهُ كانتِ الملحمةُ بينَ الإيمانِ يمثِّلهُ موسى والمؤمنونَ معه، والكفرُ والطغيانُ يمثِّلهُ فرعونُ وجنودُه، وانتصرَ الإيمانُ وعزَّ المؤمنونَ وذلَّ المشركونَ وخابَ كلُّ جبار عنيد .. وانتهى أمدُ طغيانِ فرعونَ الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (٢)، واستصغرَ الذي قالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (٣) - وحينَ أدركهُ الغرقُ عرفَ الحقيقةَ ولكنْ هيهات {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (٤)، وكانتِ العبرةُ وكانَ الدرسُ بليغًا ولكنْ لمنْ؟ ! {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (٥).

وصامَ موسى ومحمدٌ عليهما السلامُ يومَ عاشوراء، ففي «صحيحِ مسلم» عن ابنِ عباسِ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قدمَ المدينةَ، فوجدَ اليهودَ صيامًا يومَ عاشوراء، فقالَ لهمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليومُ الذي تصومونَه؟ » قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى اللهُ


(١) الفتح ٨/ ١٢٣.
(٢) سورة القصص، الآية: ٣٨.
(٣) سورة النازعات، الآية: ٢٤.
(٤) سورة يونس، الآية: ٩٠.
(٥) سورة يونس، الآية: ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>