للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعوةُ، ويتقاربُ الناسُ، والكسبُ الأكبرُ للإسلامِ وأهلِهِ إذا صدقوا في دعوتِهمْ ونشرِ إسلامِهمْ، ومَنْ تأمَّلَ أحداثَ السيرةِ النبويةِ وَجَدَ ما يُصدِّقُ هذا ويشهدُ لهُ.

ففي (صلحِ الحُدَيبيَةِ) أَبرمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ المشركينَ (معاهدةَ الحديبيةِ) وفقَ شروطٍ لمْ يرضَ عنها طائفةٌ منَ المؤمنين في البدايةِ، حيثُ بدا لهمْ أنَّ الشروطَ مُجحفةٌ للمسلمينَ، وهي لصالح المشركينَ، حتى قالَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ألستَ نبيَّ اللهِ حقًا؟ قالَ: «بلى»، قالَ: أَلسْنا على الحقِّ وعدوُّنا على الباطلِ؟ ... فلِمَ نُعطي الدنيّةَ في دينِنا إذًا؟ قالَ: «إني رسولُ اللهِ، ولستُ أعصيَه، وهُوَ ناصري».

ومَعَ ذلك كانَ الصلحُ بشهادةِ القرآنِ فتحًا مُبينًا، حيثُ نزلَ قولُهُ تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (١) والرسولُ صلى الله عليه وسلم في طريقِ العودةِ منَ الحُدَيبيَة إلى المدينةِ، قال عمرُ متعجِّبًا: أَوَفتحٌ هُوَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: نَعمْ» (٢).

قالَ الزهريُّ رحمَهُ اللهُ معلِّقًا على نتائجِ (صلحِ الحديبيةِ): فما فُتحَ في الإسلامِ فتحٌ قبْلَه كانَ أعظمَ منهُ، إنما كانَ القتالُ حيثُ التقى الناسُ، فلمّا كانتِ الهدنةُ ووَضعتِ الحربُ أوزارَها، وآمنَ الناسُ بعضُهمْ بعضًا، والتقَوْا فتفاوَضُوا في الحديثِ والمنازعةِ، فلمْ يُكلَّمْ أحدٌ بالإسلامِ بعقلٍ إلا دخلَ فيهِ، ولقدْ دخلض في تينِكَ السنتينِ مثلُ مَنْ كانَ في الإسلامِ قبلَ ذلكَ (٣).

وعلَّقَ ابنُ هشامٍ على هذا قائلًا: والدليلُ على قولِ الزهريِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم


(١) سورة الفتح، الآية: ١.
(٢) رواه مسلم ٣/ ١٤١٢ ح «١٧٨٥».
(٣) ابن هشام، بسند حسن ٣/ ٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>