خرجَ إلى الحديبيةِ في ألفٍ وأربع مائةٍ في قولِ جابرٍ، ثمَّ خرجَ في عامِ الفتحِ بعدَ ذلكَ بسنتينِ في عشرةِ آلافٍ (١).
٥ - أنَّ الفتنَ- إذا وقعتْ- تُفرحُ العدوَّ المتربِّصَ (في الخارج أو في الداخلِ) منَ الكفار أو منَ المنافقينَ، وتُتيحُ لهُ الفرصةَ وتُهيِّئُ لهُ الأجواءَ المناسبةَ للغارةِ على المسلمينَ وبَلْبلتِهمْ مستغلةً انشغالَ المسلمينَ بما همْ فيهِ منْ أجواءِ الفتنِ، فتُمرَّرُ كثيرٌ منَ الأمورِ السيئةِ على حينِ غفلةٍ وتُقرَّرُ موادُّ الفسادِ، ويَشيعُ أهلُ الريبِ والفسادِ والفحشاءِ والمنكرِ، إذِ الحرّاسُ مشغولونَ، والمحتسِبونَ المطفئِونَ للحرائقِ منهمكونَ في دفعِ الفتنِ النازلةِ .. وهكذا يَحصلُ منَ الضررِ والفسادِ ما يَسوءُ المؤمنينَ ويُفرحُ المتربِّصينَ .. ولا بدَّ منْ وعيِ هذا جيدًا والتعوُّذِ منَ الفتنِ ودفعِها.
٦ - والفتنُ إذا استعرتْ مُناخٌ لظهور الطائفيّةِ والتعصُّبِ المنبوذِ، ويتخذُها أرقّاءُ الدِّينِ مناسبةً لتصفيةِ الحساباتِ وتحقيقِ الثاراتِ، فالحريقُ يمتدُّ هنا وهناكَ، والدعواتُ والنَّعراتُ الجاهليةُ تنشطُ، ويظهرُ الحسدُ والحقدُ والكيدُ والعدوانُ، وهكذا حينَ يغيبُ العقلُ، وتكونُ لغةُ القوةِ هيَ لغةَ التفاهمِ، ويغيبُ الحوارُ الهادئُ والإقناعُ بالحجّةِ والبرهانِ، والدعوةُ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، فهلْ يَرضى عاقلٌ .. فضلًا عنْ صاحبِ الدِّينِ بهذا الواقعِ؟ !
إخوةَ الإسلام: مَنْ يُسهمُ في إشعالِ الفتنِ؟
وبعدَ الإجابةِ عنِ السؤالِ الماضي: لماذا نَحْذَرُ ونُحذِّرُ منَ الفتنِ؟ يَرِدُ سؤالٌ آخرُ، لا يقلُّ أهميةً، وهُوَ كذلكَ محتاجٌ إلى إجابةٍ. والسؤالُ الآخرُ يقولُ: مَنْ
(١) المصدر السابق ٣/ ٤٤٨، مهدي رزق الله، «السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية» ٤٩٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute