للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسهمُ- مِنْ حيثُ يَشعُر أوْ لا يشعرُ- في إشعالِ الفتنِ؟

وللإجابةِ أسوقُ رأيً يُروى عنْ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ حيثُ قالَ: قَصَمَ ظهري رَجُلانِ: فاجرٌ مُتهتِّكٌ، وجاهلٌ مُتنسِّكٌ.

وإذا كانَ الجاهلُ المتنسِّكُ يضرُّ بالدِّينِ ويُسيءُ للمسلمينَ منْ حيثُ يَشعُرُ أو لا يشعرُ .. والحديثُ عنْ هذا الصنفِ كثيرٌ؛ فدعُونا نكتفِ بالصنفِ الآخر:

فلا شكَّ أنَّ الفاجرَ المتهتِّكَ باعثٌ للفتنةِ، لا سيِّما إذا جاوزَ في تهتُّكِهِ محيطَهُ القريبَ، وسلوكياتِهِ الشخصيةَ، إلى الدعوةِ على فجورِهِ، والمدافعةِ عنْ باطلهِ، ورميِ الآخرينَ بالتُّهمِ .. كمَنْ يرمي بيوتَ الآخرينَ وبيتُه منْ زُجاجٍ .. إنَّ التطرفَ- بمفهومِهِ الواسعِ- لا يقفُ عندَ حدودِ (الغلوِّ في الدينِ)، فهذا، وإنْ كانَ خطيرًا، فالشقُّ الآخرُ للتطرُّفِ هُوَ (الغلوُّ في الجفاءِ)، والمبالغةُ في الفسادِ، ومحاولةُ إسقاطِ القِيَمِ، والرغبةُ في التنصُّلِ منْ تكاليفِ الشريعةِ، واعتبارُ حدودِ الإسلامِ ومُثُلِهِ قيودًا لا بدَّ منْ تحطيمِها والخلاصِ منها .. إنَّ هذه السلوكياتِ الجائرةَ على النفسِ وعلى الآخرينَ تُحرِّكُ الساكنَ، وتستفزُّ المشاعرَ وتوسِّعُ دائرة الحريقِ، وربَّما دفعتْ مَن قلَّ عِلْمُه أو ضَعُفَ صبرُه إلى تصرفاتٍ لا تُقَرُّ ولا تُقبلُ، وتُضِرُّ ولا تُبرَّرُ.

إننا لا بدَّ أنْ نستشعرَ جيدًا أنَّ التطرفَ (ضدّ الدِّينِ) كالتطرفِ الدينيِّ، في الإضرارِ بوحدتِنا وأَمْنِنا، والاعتدالُ ودراسةُ الأمورِ برويّةِ بعيدًا عنْ ردودِ الأفعالِ هيَ الكفيلةُ بوصولِنا- بإذنِ اللهِ- إلى شاطئ الأمانِ، وذلك بعلاجِ الخطأِ دونَ أنْ يؤدِّيَ العلاجُ إلى داءٍ جديدٍ (١).

وإذا كنا لا بدَّ أنْ نكونَ صرحاءَ في رفضِ الغلوِّ في الدِّينِ، ورفضِ لغةِ القوةِ


(١) د. عائض الردادي: جريدة الجزيرة ٢٥/ ٣/ ١٤٢٤ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>