للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهدرِ في حياتِنا، إسرافٌ في المأكلِ والمشربِ، وإسرافٌ في الملبسِ والزينةِ، إسرافٌ في الولائمِ والمناسباتِ، وهدرٌ للأموالِ وإضاعةٌ للجهودِ والطاقاتِ، وفي عالمِ النساءِ والأطفالِ أنواعٌ ومستحدَثاتٌ منَ اللباسِ يُبالَغُ في ثمنِها، ويَقلُّ استخدامُها، وفَتشْ عنْ شيءٍ منْ ذلكَ تجدْهُ ظاهرًا أكثرَ في حفلاتِ الزواجِ ولقاءاتِ المناسباتِ. كلُّ ذلك وغيرُه أنواعٌ منَ الإسرافِ الحسّيِّ المادّيِّ .. وثمّةَ أنواعٌ منَ الإسرافِ المعنويِّ.

أيُّها المسلمون: تقرأون في كتاب رَبِّكم: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (١).

قالَ ابنُ عباسِ رضيَ اللهُ عنهما: أحلَّ اللهُ في هذهِ الآيةِ الأكلَ والشربَ ما لمْ يكنْ سرفًا أو مَخِيلةً، فأمّا ما تدعُو الحاجةُ إليهِ، وهُوَ ما سدَّ الجوعةَ وسكّنَ الظمأَ فمندوبٌ إليهِ عقلًا وشرعًا، لمَا فيهِ منْ حفظِ النفسِ وحراسةِ الحواسِّ .. إلى أنْ قالَ: وليسَ لمنْ مَنَعَ نفسَه قدْرَ الحاجةِ حظٌّ منْ بِرٍّ ولا نصيبٌ منْ زهدٍ؛ لأنَّ ما حَرَمَها مِنْ فعلِ الطاعةِ بالعجزِ والضعفِ أكثرُ ثوابًا وأعظمُ أجرًا (٢).

قالَ العارفونَ: في قِلةّ الأكلِ منافعُ كثيرةٌ، منها: أنْ يكونَ الرجلُ أصحَّ جسمًا وأجودَ حفظًا، وأزكى فهمًا، وأقلَّ نومًا، وأخفَّ نَفْسًا، وفي كثرةِ الأكلِ كظُّ المَعِدة ونَتَنُ التُّخمةِ، ويتولَّدُ منهُ الأمراضُ المختلفةُ فيَحتاجُ منَ العلاجِ أكثرَ ممّا يحتاجُ إليهِ القليلُ منَ الأكلُ.

وفي هَدْيِ النبوّةِ دواءٌ وشفاءٌ وتوجيهٌ وإرشادٌ، وهُوَ القائل صلى الله عليه وسلم: «ما ملأَ ابنُ آدمَ وعاءً شرًا من بطنٍ، بحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كانَ لا مَحَالةَ


(١) سورة الأعراف، الآية: ٣١.
(٢) تفسير القرطبي للآية، ٧/ ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>