للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون تأملوا في ثنايا القصة كيف يعلو الحق ويعترف به الملأ .. وكيف يكون النكوص حفاظًا على المركز، واستسلامًا لأعراف القبيلة وطمعًا في البقاء في الرئاسة، وتأثرًا برفقة السوء، ثم تأملوا كيف يوصف الخير والأخيار، فالنبي الأمين يلقبونه بابن أبي كبشة .. والإسلام بالصباء، وكذلك يتلاعب المجرمون بالألفاظ، ويلمزون الخير والأخيار .. وإذا جرى ذكر السحر، والكهانة، والجنون ونحوها من ألفاظ المجرمين فيما مضى، فاليوم تعود السخرية لكن بألفاظ الإرهاب، والأصولية، والفاشية، ونحوها .. وتتغير الألفاظ والمعنى واحد، ويمضي التاريخ ويتقلب الوليد في النعم .. لكنها أيام الدنيا قليلة وحبالها قصيرة، وتذكره كتب السيرة ضمن المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم والإسلام، ويسلي الله نبيه صلى الله عليه وسلم بكفايته لهؤلاء المستهزئين، ويأمره بالصدع بالحق دون تردد: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: ٩٤، ٩٥]. ويهلك الله أولئك المستهزئين جميعًا - وهم خمسة كما ذكرتهم كتب السيرة والتفاسير- وأحدهم بل من أكابرهم الوليد بن المغيرة .. يهلكون بآفات قال عنها الشنقيطي في «أضواء البيان»: والآفات التي كانت سببًا في هلاكهم مشهورة في التاريخ (١).

وكذلك أسدل الستار على قصة هذا المكابر المستهزئ، وبقي ذكره لا يسر الناظرين، وخبره عبرة للمعتبرين، ولئن غاب الوليد عن مشهد الأحداث ببدنه فقد بقي من تاريخه ما يعيد الذكرى في كل حين .. إن في الأرض من يسخر ويستهزئ ويتطاول ويتكبر، ويمهل وينعم عليه .. لكنها نهاية الطغاة


(١) (أضواء البيان ٣/ ١٨٢، وانظر ابن هشام ٢/ ٥٧، ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>