للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشتري لهم من متاع مكة فيقول كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو فيجصص بيوتهم وأبوابهم فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه .. وكان ابن المبارك رحمه الله يقول للفضيل: لولاك وأصحابك ما اتجرت، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم (١).

إنها أخبار وقصص، ومجالات للعظمة وأنواع من القربات يطول شرحها ويصعب حصرها ولكن العبرة من سياقها التأسي وشحذ الهمم والتأكيد على أن وصول المعالي ليس مستحيلاً، وهذه القدوات البشرية سبيل لتطويع القدرات لمحاكاتها هذا جزء من الموقف من سير العظماء، وموقف أو عبرة أخرى تكمن في التأكيد على أن ديننا منبع لكل خير، قادر على التجدد في كل حين، والأمر الثالث المهم - من دراسة هذه السير - هو أن من عرف أن له ماضيًا عظيمًا ورجالاً عظماء فإنه يرجى له أن يعود إلى المجد والسيادة من جديد (٢).

إنها نماذج تثبت العزة في النفوس، وتضرب المثل الأمثل للأجيال وتدعو إلى إحسان العمل، والعبد على طريق الكرامة والمجد، وتذلل على مكامن العظمة في هذا الدين، وهذه النماذج تطرد اليأس وتنفي الكسل، وتسلي في سلوك الطريق، إنها لا تدعوا للانبهار المؤدي إلى الإحباط والإسقاط لكنه انبهار يدعوا للعمل والاقتداء دون مبالغة وغلوا وتعظيم للبشر بما لا يحله الشرع، أو بما يخرج هؤلاء عن بشريتهم.


(١) [تاريخ بغداد ١٠/ ١٥٨، سير أعلام النبلاء ٨/ ٣٤١، ٣٤٢].
(٢) (د. محمد موسى الشريف: القدوات الكبار بين التحطيم والانهيار/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>