ومن مكاسبنا في هذه الأزمة السعي لتحقيق وحدة الأمة الذي مزقته الأهواء، وشقته الانتماءات الفارغة، وعصفت به رياح الفرقة .. كل هذه الأدواء باتت تنحصر دوائرها، وتتسع في المقابل دوائر الوحدة والاجتماع، لقد باتت قضية فلسطين تشغل هم الجميع، وبات الانتصار للمظلومين قاسمًا مشتركًا .. وعلا صوت النداء لوحدة الأمة في مقابل تكالب الأعداء عليهم، ووحدة الشعوب مقدمة لوحدة القيادات والكيانات.
إن الحديث عن الوحدة لا يُصنع عبر محاضرات، أو خطب تلقى، أو كتب تؤلف، بل تساهم المصائب والرزايا المحيطة بالأمة في صنعه وتقريبه، فلنساهم جميعًا في هذه الوحدة فهي خطوة مهمة في سبيل صعود الأمة وانتصاراتها.
أما مكسب ترسيخ العداوة لليهود ومن حالفهم، فلم يعد شأن المسلمين الذين يجدون في كتاب ربهم:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: ٨٥]. بل على مستوى العالم الذي لم تغب عنهم الشاشة جرائم الحرب، ولم تخف عنهم الأخبار مساعدات الحلفاء .. وفي ظلال هذه المشاهد، وفي ظروف هذه المواسم كساد لمشاريع السلام الهزيلة، والتطبيع الموبوءة، فاليهود أول من كفل هذه المشاريع، ومن واجب المسلمين أن يرفضوها، ولا يخدعوا ببريقها الكاذب.
ومن مكاسبنا - في هذه الأزمة - تمايز الصفوف، وكشف الرايات، فثمة عناصر ومؤسسات تتحدث بألسنتنا وتتسمى بأسمائنا، لكنها تفكر بغير تفكيرنا، وتتجه في عواطفها ولحن قولها غير وجهتنا، إنهم من ابتليت بهم الأمة في سالف الزمن، ديدنهم الإرجاف والتعويق، وأساليبهم سخرية وتخذيل، يشككون بوعد الله، ويشرقون بالنصر لأهل الإسلام، هم من قال الله عنهم:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}[التوبة: ٤٨].