تلكم هي قيمة الحياة، والهدف من الوجود {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. والعبادة حين تكون الهدف من وجودنا {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. فهذه العبادة أنماط وأشكال يمارسها العبد حين يصلي، وحين يبيع ويشتري، وحين يعمل أو يتعامل، وحين يتحدث أو يكتب، وحين يجاهد أو يتصدق، يمارس المسلم العبادة في المسجد والمنزل، وفي الوظيفة والسوق، في السفر والحضر، وفي حال الخلوة والاجتماع، والشهود حاضرون، والإحصاء دقيق، وكتاب ربي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والعبد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
عباد الله .. وثمة سؤال مهم يقول: كيف يتعامل المسلم مع متغيرات الحياة؟ أتكون لغة الرفض هي الحل؟ أم يكون القبول المطلق والتسليم؟ أم هناك موقف وسط راشد؟ وإيجابية تأخذ الصالح وتنميه وتدعمه، وترفض الطالح وتجاهد في مدافعته؟
إنها الإيجابية والمجاهدة والسعي للإصلاح والوقوف في وجه الفساد .. تلك هي المرتبة العلية التي ربما تقاصرت عنها همم الكثيرين .. ما بين مستسلم سلبي مفتون، وما بين رافض قاعد عن العمل، يحسب أن رفضه كاف لأداء الواجب.
لقد علق سبحانه الهداية بالجهاد في قوله تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}[العنكبوت: ٦٩]. وعلق عليها ابن القيم فقال: فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فإنه بعيد من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد (١).