تراكمُ هموم خيالية لا مبرر لها، وأسوأهُ ما قطع عن الجمع والجماعات، وأفضى إلى ترك الواجبات وفعل الحرمات وتوارد أحزانٍ وخواطر لا حقيقة لوجودها، هو ذبولٌ عن الحياة وانقطاعٌ عن الأحياء لا مسوغ له، هو ضعف بعد القوة، وعزلةٌ بعد الصحبة، وشكوك مستحكمة، وخوف وقلق وبغضاء وأثرةٌ، وعجز عن الملائمة في حياته مع الآخرين، ويبلغ بالمرضُ ذروتَه حين يصاب صاحبهُ بالوسوسة، أو يغلب الشكُّ على المريض أفعلَ الشيءَ أم لم يفعلْه، وربما استدرج الشيطان بالإنسان فزين له فراق الأهل والأحبة، وتعد به عن العَمل أو الفصلِ من الوظيفة، أو الانقطاع عن الدراسة، أو حرم الشاب عن استثمارِ طاقته، ولم يستفد من شبابه أو عمره.
إخوة الإسلام ولا شك أن هذا المرضَ ينتشرُ كلما جارت الحياةُ الماديةُ على حساب القيم المعنوية، ويتَفاقمُ كلما غابت عن الوجود شريعةُ السماء بهداها وعدلِها، واستحكمت قوانين البشر. بجورها وظلمها وشقوتها، وها كم شهادة مجربٍ خبير درس المرض وألف فيه، وكان كتابه «دع القلق وابدأ الحياة» خلاصة تجاربه ومرئياته عن بني قومه، يقول «دايل كارنيجي» عشتُ في «نيويورك» أكثر من سبع وثلاثين سنة فلم يحدث أن طرق أحدٌ بابي ليحذرني من مرض يدعى «القلق» هذا المرض الذي سبب في الأعوام السبعة الثلاثين الماضية من الخسائر أكثر مما سببه الجدري بعشرة آلاف ضعف. نعم لم يطرق أحدٌ بابي ليحذرني أن شخصًا من كل عشرة أشخاصٍ من سكان أمريكا معرضٌ للإصابة بانهيار عصبي مرجعُه في أغلبِ الأحوال إلى القلق ... ثم يقول: كارنيجي: ويقرر الأطباءُ أن واحدًا من كل عشرين أمريكيًا سوف يقضي جانبًا من حياته في مصح للأمراض العقلية، ومن الحقائق المريرة أن واحدًا من كل