ومن سنن الله في خلقه- قديمًا وحديثًا- تدافع الحق والباطل {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} وتمييز الخبيث من الطيب، ونجاه المصلحين وهلاك الظالمين {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: ١٦٥].
وعلى مدى تاريخ الأمم وأحوال القرون رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون وبهم وبسببهم يحل العذاب ويكون الهلاك، وآخرون ينهون عن الفساد في الأرض وبسببهم تكون النجاة والفلاح {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود ١١٦، ١١٧].
أيها الإخوة المؤمنون .. حين يشيع المنكر ويكثر المبطلون، ويحاول أهل الريب والفساد خرق السفينة، فالناس ينقسمون أقسامًا تجاه المنكر والمروحين له.
فمنهم بارد المشاعر، فتبلد الإحساس، لا يعنيه الأمر من قريب أو بعيد- جهلًا أو تجاهلًا- لا يتمعر وجهه للمنكر وأنى له أن يحرك ساكنًا لتغييره، ولا يشعر بخطر المروجين للمنكرات وأنى له أن يبغضهم أو يناصحهم .. أولئك مرضى القلوب، وأموات الأحياء .. وأولئك الذين عناهم ابن القيم بقوله: وقد غر إبليس أكثر الخلق بأن حسن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا، والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بالقيام بها (يعني نشر السنن والأمر بالمعروف، وإقامة الحق، والنهي عن المنكر على القادرين عليه) وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينًا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالًا عند