ألف أو يزيدون من المسلمين يموتون حتفهم في لج البحر .. وقبل الموت يحاصرهم الرعب وتحيط بهم المخاوف من كل جانب .. فمن تحتهم حريق تتصاعد أدخنته حتى تكتم الأنفاس وتخلع القلوب، وللنار رهبة لا تخفى، وعن أيمانهم وشمائلهم لج البحر بعمقه وأمواجه المتلاطمة .. فكيف إذا كانت الرياح عاتية .. والجو باردًا؟ وكيف الحال إذا كان على ظهر العبارة قرابة ألف وخمسمائة من البشر وفيهم النساء والأطفال والشيوخ والعجزة، والمرضى والضعفاء؟
إنها حالة من الرعب تبلغ نهايتها حين تتعالى الأصوات بالبكاء وتوزع ستر النجاة .. ولا مفر من الحريق إلا الغرق ..
وأخيرًا تنطفئ أنوار المركبة .. والحدث في جنح الظلال، والزمان في أول الشهر فلا بدر من الظلام ..
يا الله لك أن تتصور هذه الساعات الحرجة التي عاشها المسافرون على ظهر عبارة الموت؟ ظلمة السفينة وظلمة البحر، واشتعال النار، وأصوات العويل والبكاء .. واستصراخ يقطع أنياط القلوب ..
ويحدث شهود العيان الذين نجوا من هذه الكارثة ويقولون تعجز كلماتنا أن تصف المشهد .. ويصعب على الخيال أن يتصور المأساة .. ونحن لم ننج بقوتنا ولا بحيلنا، ولا بمهاراتنا .. إنها العناية الإلهية ليس إلا .. أنقذنا الله ونحن نحسب أنفسنا في عداد الموتى .. كيف لا ونحن نشاهد في كل لحظة أطفالًا يغرقون .. وربما ازرقت أجسادهم من الكرب حتى ماتوا .. ونشاهد نساء ورجالًا يطفون على سطح البحر ..
العناية الإلهية أنقذت الطفل الذي قال إن آخر العهد بأبي حين وضعني في قارب نجاة وطلب مني الانتظار .. وبعد أكثر من عشرين ساعة بين أمواج البحر