للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفقهون لغير العبادة، وتعلمون لغير العمل، وتلتمسون الدنيا بعمل الآخرة وتنقون القذاة من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من الحرام، وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا تعينونهم برفع الخناصر، وتلبسون جلود الضأن وتخفون أنفس الذئاب، وتبيضون ثيابكم فتنقصون بذلك مال اليتيم والأرملة، قال تعالى «فبعزتي حلفت لأخبرنكم بفتنة يضل فيها عقل ذي العقل وحكمة الحكيم» (١).

هنا ... وفي ظل هذه الظروف والفساد المستشري والضعف والفساد الظاهر والباطن يتذكر أهل القرآن قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: ١٢٦].

إن الأمة الراشدة هي التي تستفيد من دروس الهزيمة كما تستفيد من دروس النصر، وستظل الأمة تعاني ويلات الذل والهزيمة، حتى تفكر في المخارج الصحيحة للطوارئ .. وكلما اعتمدت الأمة على البشر الضعيف وكلها الله إلى ما توكلت عليه، وكلما توكلت على الله والتجأت إليه أجارها وعافاها وغير ما بها .. لا ينظر الله إلى الصور والأجساد ولكن ينظر إلى القلوب والضمائر ولا ينفع بياض الثوب إن كان القلب أسودًا .. كان أبو عبيدة رضي الله عنه يسير في الجيش ويقول: «ألا رب فبيض لثيابه قد دنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم أساء ما بين السماء والأرض ثم عمل حسنة لعلت سيئاته حتى تقهرهن» (٢).

لقد اختلت الموازين الحقة في دنيا الناس، وأصبحت النظرة في غالبها نظرة


(١) (الزهد لأبي داود السجستاني/ ٣١ بإسناد جيد كما قال المحقق).
(٢) (الزهد لأبي داود السجستاني/ ١٣٩ بإسناد رجاله ثقات).

<<  <  ج: ص:  >  >>