للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوري رحمه الله- كان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم (١).

وحتى أصابه السقم حُمل مقدار من بوله فعرض على الأطباء فلم يعرفوا ما به، حتى حمل إلى راهب في ناحية الحيرة، فلما نظر إليه قال: ليس بصاحبكم مرض، إنما الذي به لما دخله من الخوف (٢).

وفي رواية: قال الطبيب: هذا ماء رجل قد أحرق الخوف (٣).

ولا غرابة في ذلك، فمع قيام هذا العالم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو يشعر بتقصيره في أداء الواجب، ويقول: «إني لأرى الشيء يجبر علي أن آمر به أو أنهي عنه لا أفعل فأبول دمًا» (٤).

وإذا كان يطيب ذكر الخائفين من علماء وأعلام المسلمين، فالذكر أطيب حين يكون الخوف من الولاة الورعين، ويتمثله أحد أئمة المسلمين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أولئك حقًّا هم النماذج لولاة المسلمين، وعلى قدر خوفهم من خالقهم تهابهم وتجلهم رعيتهم.

قالت فاطمة بنت عبد الملك- زوج عمر بن عبد العزيز يرحمه الله- تصف خوف عمر: يا مغيرة إنه قد يكون في الناس من هو أكثر صلاةً وصيامًا من عمر، وما رأيت أحدًا قط أشد فرقًا من ربه من عمر. كان إذا صلى العشاء قعد في المسجد، ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه، فلم يزل رافعًا يديه يبكي حتى تغلبه عيناه (٥).

وعمر بن عبد العزيز- يرحمه الله- هو الذي كانت لا تجف له دمعة من هذه


(١) الحيلة لأبي نعيم ٧/ ٢٣، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٧/ ٢٤٢.
(٢) المعرفة والتاريخ للفسوي ١/ ٧٢٦.
(٣) سير أعلام النبلاء ٧/ ٢٧٠، وشعب الإيمان للبيهقي ١/ ٢٥٤.
(٤) شعب الإيمان للبيهقي ١/ ٢٥٢، الحلية ٧/ ١٤، سير أعلام النبلاء ٧/ ٢٤٣.
(٥) أحمد في الزهد/ ٣٦٣، الفسوي في المعرفة والتاريخ ١/ ٥٧١. والبيهقي في الشعب ١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>