للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين التوحيد والشرك، وبين عهد الضعيف والأمر بالصبر والانتظار وكف الأيدي، وبين عهد القوة والجهاد في سبيل الله، والذي استمر في الفتوح على أيدي المسلمين حتى وإن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

وكانت (بدر) فرقانًا في موازين عوامل النصر والهزيمة، فقد خرجت قريش تجر أثواب الكبر والخيلاء بطرًا ورآء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط .. وما هي إلا لحظات حتى تطافئت الكبرياء وأرغمت أنوف الملأ من قريش ما بين قتيل وأسير وحين نتجاوز ما حصل لأبي جهل ومن لقي مثل مصيره من صناديد قريش من أصحاب القليب .. ونلتفت إلى الأسرى- وفيهم كبراء وملأ من قريش- نقف كذلك على نوع من دروس بدر في نصرة الحق- ولو بعد حين- وفي قصة سهيل بن عمرو بن عبد شمس- ما يؤكد ذلك، فقد وقع سهيل- ممثل قريش في صلح الحديبية- في الأسر في معركة بدر، وقد كان أحد أشراف مكة، وخطيب قريش المشهور، وكان لخطبه أثر كبير في محاربة المسلمين، وحين تقرر إطلاق سراحه من الأسر بعد دفع الفداء عنه، تقدم الفاروق عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: إنزع ثنتي سهيل حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبًا في موضع أبدًا، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقال لعمر: «دعه فعسى أن يقوم مقامًا تحمده» (١).

ومضت الأيام سراعًا، وأسلم فيما بعد سهيل، وصدقت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحين ارتد من ارتد من العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كان لسهيل موقف يحمد عليه، فقد بلغه أن بعض أهل مكة هم بالردة، وكان سهيل سيدًا مطاعًا فيهم- فوقف خطيبًا وقال: «يا أهل مكة لا تكونوا آخر الناس إسلامًا، وأولهم ارتدادًا


(١) (البداية والنهاية ٣/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>