للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو نموذجًا لهمة الشباب في صرف طاقتهم للعبادة فقد حدث عن نفسه فقال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأه في شهر، قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: اقرأه في عشرين، قلت: دعني أستمتع، قال: أقرأه في سبع ليال، قلت: دعني يا رسول الله أستمتع، قال: فأبى» (١).

ولم تكن همة ابن عمرو في تلاوة القرآن، بل كانت له همة في الصيام والقيام، وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينازله في تخفيف ذلك كله حتى تمنى في آخر حياته أنه قبل رخصة النبي صلى الله عليه وسلم له. فقد روى مسلم في صحيحه من طريق أبي سلمة أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: حدثنا عبد الله بن محمد الرومي. حدثنا النضر بن محمد. حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار) حدثنا يحيى قال: انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد حتى نأتي أبا سلمة. فأرسلنا إليه رسولًا. فخرج علينا. وإذا عند باب داره مسجد. قال: فكنا في المسجد حتى خرج إلينا. فقال: إن تشاؤا، أن تدخلوا، وإن تشاؤا، أن تقعدوا هاهنا. قال فقلنا: لا. بل نقعد هاهنا. فحدثنا. قال أبو سلمة: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة. قال: فإما ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته. فقال لي: «ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ » فقلت: بلى. يا نبي الله! ولم أرد بذلك إلا الخير. قال: «فإن بحسبك أن تصوم (١) من كل شهر ثلاثة أيام» قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك. قال: «فإن لزوجك عليك حقًا. ولزورك (٢) عليك حقًا. ولجسدك عليك حقًا» قال: «كان


(١) (سير أعلام النبلاء ٣/ ٨٣).
(٢) (فإن بحسبك أن تصوم) الباء فيه زائدة. ومعناه أن صوم الثلاثة أيام من كل شهر كافيك.
(٣) (ولزورك) قال في النهاية: هو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم. كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم. وقد يكون الزور جمعًا لزائر، كركب في جمع راكب. أي لضيفك ولأصحابك الزائرين حق عليك. وأنت تعجز، بسبب توالي الصيام والقيام، عن القيام بحسن معاشرتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>