واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك، لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب. فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه.
هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قال له عليه السلام في الصوم، ومازال يناقصه حتى قال:«صم يومًا وأفطر يومًا، صوم أخي داود عليه السلام»(١).
أيها المسلمون والزهد في الدنيا وإن كان مطلوبًا فله حدوده الشرعية ومهما زهد الزاهدون فلهم في رسول الله أسوة حسنة، وكان يصوم ويفطر، ويصلي وينام، ويتزوج النساء، وقد ندب الأمة إلى القصد في العبادة، وعلمهم كيف يكون الزهد، وهذا عبد الله بن عمرو يحدثنا عن موقف له في الزهد من متاع الدنيا، وكيف علمه النبي صلى الله عليه وسلم والأمة كلها معنى الزهد في الإسلام، يروي لنا الموقف ابن عمرو بنفسه ويقول: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة، فجاء أبي إلي كنته (وهي زوجة الولد) فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل من رجل لم يفتش لنا كنفًا ولم يقرب لنا فراشًا، قال: فأقبل علي (أبي) وعضني بلسانه ثم قال: أنكحتك امرأة ذات حسب فعضلتها وفعلت، ثم انطلق فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبني فأتيته، فقال لي: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: نعم، قال: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.